وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ ﴾
يريد من الغنى والسعة في الدنيا.
﴿ فَمَتَاعُ ﴾ أي فإنما هو متاعٌ في أيام قليلة تنقضي وتذهب ؛ فلا ينبغي أن يتفاخر به.
والخطاب للمشركين.
﴿ وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى ﴾ يريد من الثواب على الطاعة ﴿ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ صدّقوا ووحّدوا ﴿ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ نزلت في أبي بكر الصدّيق حين أنفق جميع ماله في طاعة الله فلامه الناس.
وجاء في الحديث أنه : أنفق ثمانين ألفاً.
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧)
فيه مسألتان :
الأولى قوله تعالى :﴿ والذين يَجْتَنِبُونَ ﴾ الذين في موضع جرّ معطوف على قوله :﴿ خَيْرٌ وأبقى لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ [ الشورى : ٣٦ ] أي وهو للذين يجتنِبون ﴿ كَبَائِرَ الإثم ﴾ وقد مضى القول في الكبائر في "النساء".
وقرأ حمزة والكسائي "كَبيرَ الأِثْمِ" والواحد قد يراد به الجمع عند الإضافة ؛ كقوله تعالى :﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ]، وكما جاء في الحديث :" منعت العراق درهمها وقفيزها " الباقون بالجمع هنا وفي "النجم".
﴿ والفواحش ﴾ قال السُّدِّي : يعني الزنى.
وقاله ابن عباس، وقال : كبير الإثم الشرك.
وقال قوم : كبائر الإثم ما تقع على الصغائر مغفورة عند اجتنابها.
والفواحش داخلة في الكبائر، ولكنها تكون أفحش وأشنع كالقتل بالنسبة إلى الجرح، والزنى بالنسبة إلى المراودة.
وقيل : الفواحش والكبائر بمعنًى واحد، فكرر لتعدد اللفظ ؛ أي يجتنبون المعاصي لأنها كبائر وفواحش.
وقال مقاتل : الفواحش موجبات الحدود.
الثانية قوله تعالى :﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ أي يتجاوزون ويحلُمون عمن ظلمهم.
قيل : نزلت في عمر حين شُتِم بمكة.
وقيل : في أبي بكر حين لامه الناس على إنفاق ماله كله وحين شُتم فَحلُم.