ولما أفهم سياق هذا الكلام وترتيبه هكذا أن التقدير : فلمن صبر عن الانتصار أحسن حالاً ممن انتصر، لأن الخطأ في العفو أولى من الخطأ في الانتقام، عطف عليه مؤكداً لما أفهمه السياق أيضاً من مدح المنتصر :﴿ولمن صبر﴾ عن الانتصار من غير انتقام ولا شكوى ﴿وغفر﴾ فصرح بإسقاط العقاب والعتاب فمحا عين الذنب وأثره :﴿إن ذلك﴾ أي ذلك الفعل الواقع منه البالغ في العلو جداً لا يوصف ﴿لمن عزم الأمور﴾ أي الأمور التي هي لما لها من الأهلية لأن يعزم عليها قد صارت في أنفسها كأنها دوات العزم أو متأهلة لأن تعزم على ما تريد، والعزم : الإقدام على الأمر بعد الروية والفكرة، قال أبو علي بن الفراء ؛ آيات العفو محمولة على الجاني النادم، وآيات مدح الانتصار على المصر، وذلك إنما يحمد مع القدرة على تمام النصرة كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوته
﴿لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم﴾ [ الآية : ٩٢ ] وقال : فعل النبي ـ ﷺ ـ في مواطن كثيرة منها الموقف الأعظم الذي وقفه يوم الفتح عند باب الكعبة وقال لقريش وهم تحته كالغنم المطيرة :" ما تظنون أني فاعل بكم يا معشر قريش؟ قالوا : خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء "، وروى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن رجلاً شتم أبا بكر ـ رضى الله عنه ـ فلما رد عليه قام ـ ﷺ ـ ثم قال :" يا أبا بكر! ثلاث كلهن حق ما من عبد مظلم مظلمة فعفى عنها لله إلا أعز الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة ". أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٦ صـ ٦٤٠ ـ ٦٤٣﴾


الصفحة التالية
Icon