المراد بهذه الصمائب الأحوال المكروهة نحو الآلام والأسقام القحط والغرق والصواعق وأشباهها، واختلفوا في نحو الآلام أنها هل هي عقوبات على ذنوب سلفت أم لا ؟ منهم من أنكر ذلك لوجوه الأول : قوله تعالى :﴿اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [ غافر : ١٧ ] بيّن تعالى أن الجزاء إنما يحصل في يوم القيامة، وقال تعالى في سورة الفاتحة ﴿مالك يَوْمِ الدين﴾ [ الفاتحة : ٤ ] أي يوم الجزاء، وأطبقوا على أن المراد منه يوم القيامة والثاني : أن مصائب الدنيا يشترك فيها الزنديق والصديق، وما يكون كذلك امتنع جعله من باب العقوبة على الذنوب، بل الاستقراء يدل على أن حصول هذه المصائب للصالحين والمتقين أكثر منه للمذنبين، ولهذا قال ﷺ :" خص البلاء بالأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل " الثالث : أن الدنيا دار التكليف، فلو جعل الجزاء فيها لكانت الدينا دار التكليف ودار الجزاء معاً، وهو محال، وأما القائلون بأن هذه المصائب قد تكون أجزية على الذنوب المتقدمة، فقد تمسكوا أيضاً بما روي عن النبي ﷺ أن قال :" لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا غيره إلا بذنب أو لفظ " هذا معناه وتمسكوا أيضاً بهذه الآية، وتمسكوا أيضاً بقوله تعالى :﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات﴾ [ النساء : ١٦٠ ] وتمسكوا أيضاً بقوله تعالى بعد هذه الآية ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ [ الشورى : ٣٤ ] وذلك تصريح بأن ذلك الإهلاك كان بسبب كسبهم، وأجاب الأولون عن التمسك بهذه الآية، فقالوا إن حصول هذه المصائب يكون من باب الامتحان في التكليف، لا من باب العقوبة كما في حق الأنبياء والأولياء، ويحمل قوله ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ على أن الأصلح عند إتيانكم بذلك الكسب إنزال هذه المصائب عليكم، وكذا الجواب عن بقية الدلائل، والله أعلم.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon