وقال القرطبى :
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ﴾
فيه مسألتان :
الأولى في نزولها ؛ قيل : إنها نزلت في قوم من أهل الصُّفَّة تمنَّوْا سَعة الرزق.
وقال خَبَّاب بن الأرَتّ : فينا نزلت ؛ نظرنا إلى أموال بني النَّضير وقُريظة وبني قَيْنُقَاع فتمنيناها فنزلت.
﴿ وَلَوْ بَسَطَ ﴾ معناه وسّع.
وبسط الشيء نشره.
وبالصاد أيضاً.
﴿ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ﴾ طغَوْا وعصَوْا.
وقال ابن عباس : بغيُهم طلبهم منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس.
وقيل : أراد لو أعطاهم الكثير لطلبوا ما هو أكثر منه، لقوله :" لو كان لاْبن آدم واديان من ذهب لاْبتغى إليهما ثالثاً " وهذا هو الْبَغْيُ، وهو معنى قول ابن عباس.
وقيل : لو جعلناهم سواء في المال لما انقاد بعضهم لبعض، ولتعطلت الصنائع.
وقيل : أراد بالرزق المطر الذي هو سبب الرزق ؛ أي لو أدام المطر لتشاغلوا به عن الدعاء، فيقبِض تارة ليتضرّعوا ويبسُط أخرى ليشكروا.
وقيل : كانوا إذا أخصبوا أغار بعضهم على بعض ؛ فلا يبعد حمل البغي على هذا.
الزّمخشِريّ :"لَبَغَوْا" من البغي وهو الظلم ؛ أي لبغى هذا على ذاك وذاك على هذا ؛ لأن الغِنَى مَبْطَرة مأشرة، وكفى بقارون عبرة.
ومنه قوله عليه السلام :" أخوفَ ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها " ولبعض العرب :
وقد جعل الوسْمِيّ يُنبت بيننا...
وبين بني دُودَان نَبْعاً وشَوْحَطَا
يعني أنهم أحيُوا فحدّثوا أنفسهم بالبغي والتغابن.
أو من البَغْي وهو البَذَخ والكبر ؛ أي لتكبّروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلوّ فيها والفساد.
﴿ ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ ﴾ أي ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم.
وقال مقاتل :"يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ" يجعل من يشاء غنيًّا ومن يشاء فقيراً.


الصفحة التالية
Icon