ولما كان مبنى أمر الضال على الندم ولو بعد حين، قال عاطفاً على نحو : فترى الظالمين قبل رؤية العذاب في غاية الجبروت والبطر والتكذيب بالقدرة عليهم، فهم لذلك لا يرجون حساباً ولا يخافون عقاباً :﴿وترى﴾ وقال :﴿الظالمين﴾ موضع " وتراهم " لبيان أن الضال لا يضع شيئاً في موضعه، ولما كان عذابهم حتماً، عبر عنه بالماضي فقال :﴿لما رأوا العذاب﴾ أي المعلوم مصير الظالم إليه رؤية محيطة بظاهره وباطنه يتمنون الرجعة إلى الدنيا لتدارك ما فات من الطاعات الموجبة للنجاة ﴿يقولون﴾ أي مكررين مما اعتراهم من الدهش وغلب على قلوبهم من الوجل :﴿هل إلى مرد﴾ أي رد إلى دار العمل وزمانه مخلص من هذا العذاب ﴿من سبيل ﴾.
ولما أثبت رؤيتهم العذاب، أثبت دنوهم من محله وبين حالهم في ذلك الدنو فقال :﴿وتراهم﴾ أي يا أكمل الخلق ويا أيها المتشوف إلى العلم بحالهم بعينك حال كونهم ﴿يعرضون﴾ أي يجدد عرضهم ويكرر، وهو إلجاؤهم إلى أن يقارنوها بعرضهم الذي يلزم محاذاتهم لها أيضاً بطولهم ليعلموا أنها مصيرهم فلا مانع لها منهم ﴿عليها﴾ أي النار التي هي دار العذاب مكرراً عرضهم في طول الموقف مع ما هم فيه من تلك الأهوال بمقاساة ما عليهم من الأحمال الثقال حال كونهم ﴿خاشعين﴾ أي في غاية الضعة والإلقاء باليد خشوعاً هو ثابت لهم.
ولما كان الخشوع قد يكون محموداً قال :﴿من الذل﴾ لأنهم عرفوا إذ ذاك ذنوبهم وانكشفت لهم عظمة من عصوه.
ولما كان الذل ألواناً، صوره بأقبح صورة فقال معبراً بلفظ النظر الذي هو مماسة البصر لظاهر المبصر :﴿ينظرون﴾ أي يبتدئ نظرهم المتكرر ﴿من طرف﴾ أي تحريك للأجفان ﴿خفي﴾ يعرف فيه الذل لأنه لا يكاد من عدم التحديق يظن أنه يطرف لأنهم يسارقون النظر مسارقة كما ترى الإنسان ينظر إلى المكاره، والصبور ينظر إلى السيف الذي جرد له فهو بحيث لا يحقق منظوراً إليه، بل ربما تخيله بأعظم مما هو عليه.


الصفحة التالية
Icon