وقرأ الأعمش : ويعفو بالواو، وعن أهل المدينة : بنصب الواو، والجمهور : ويعف مجزوماً عطفاً على يوبقهن.
فأما قراءة الأعمش، فإنه أخبر تعالى أنه يعفو عن كثير، أي لا يؤاخذ بجميع ما اكتسب الإنسان.
وأما النصب، فبإضمار أن بعد الواو، وكالنصب بعد الفاء في قراءة من قرأ : يحاسبكم به الله فيغفر، وبعد الواو في قول الشاعر :
فإن يهلك أبو قابوس يهلك...
ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش...
أجب الظهر ليس له سنام
روي بنصب ونأخذ ورفعه وجزمه.
وفي هذه القراءة يكون العطف على مصدر متوهم، أي يقع إيباق وعفو عن كثير.
وأما الجزم فإنه داخل في حكم جواب الشرط، إذ هو معطوف عليه، وهو راجع في المعنى إلى قراءة النصب، لكن هذا عطف فعل على فعل، وفي النصب عطف مصدر مقدر على مصدر متوهم.
وقال القشيري : وقرىء :﴿ ويعف ﴾ بالجزم، وفيها إشكال، لأن المعنى : إن يشأ يسكن الريح، فتبقى تلك السفن رواكد، أو يهلكها بذنوب أهلها، فلا يحسن عطف ويعف على هذه، لأن المعنى : يصيران شيئاً يعف، وليس المعنى ذلك، بل المعنى : الإخبار عن الغيوب عن شرط المشيئة، فهو إذن عطف على المجزوم من حيث اللفظ، لا من حيث المعنى.
وقد قرأ قوم : ويعفو بالرفع، وهي جيدة في المعنى.
انتهى، وما قاله ليس بجيد، إذ لم يفهم مدلول التركيب.
والمعنى : أنه تعالى إن يشأ أهلك ناساً وأنجى ناساً على طريق العفو عنهم.
وقال الزمخشري : فإن قلت : على م عطف يوبقهن؟ قلت : على يسكن، لأن المعنى : إن يشأ يسكن الريح فيركدن، أو يعصفها فيغرقن بعصفها. انتهى.
ولا يتعين أن يكون التقدير : أو يعصفها فيغرقن، لأن إهلاك السفن لا يتعين أن يكون بعصف الريح، بل قد يهلكها تعالى بسبب غير الريح، كنزول سطحها بكثرة الثقل، أو انكسار اللوح يكون سبباً لإهلاكها، أو يعرض عدو يهلك أهلها.