ولما أنهى ما قدمه في قوله ﴿شرع لكم من الدين﴾ نهايته، ودل عليه وعلى كل ما قادته الحكمة في حيزه حتى لم يبق لأحد شبهة في شيء من الأشياء، كان ذلك سبباً لتهديدهم على الإعراض عنه وتسلية رسولهم ـ ﷺ ـ فقال معرضاً عن خطابهم إيذاناً بشديد الغضب :﴿فإن أعرضوا﴾ أي عن إجابة هذا الدعاء الذي وجبت إجابته والشرع الذي وضحت وصحت طريقته بما تأيد به من الحجج، ولفت القول إلى مظهر العظمة دفعاً لما قد يوهم الإرسال من الحاجة فقال :﴿فما أرسلناك﴾ مع ما لنا من العظمة ﴿عليهم حفيظاً﴾ أي نقهرهم على امتثال ما أرسلناك به.
ولما كان التقدير.
فأعرض عن غير إبلاغهم لأنا إنما أرسلناك مبلغاً، وضع موضعه :﴿إن﴾ أي ما ﴿عليك إلا البلاغ﴾ لما أرسلناك به، وأما الهداية والإضلال فإلينا.
ولما ضمن لهذه الآية ما أرسله له، أتبعه ما جبل عليه الإنسان بياناً لأنه ـ ﷺ ـ لا حكم له على الطباع وأن الذي عليه إنما هو الإسماع لا السماع، فقال عاطفاً على ما قبل آية الشرع من قوله ﴿يبسط الرزق لمن يشاء﴾ حاكياً له في أسلوب العظمة تنبيهاً على أنه الذي حكم عليهم بالإعراض عما هو جدير بأن لا يعرض عنه عاقل، وإيماء إلى أن الإنسان لغلبه جهله وقلة عقله يجترىء بأدنى تأنيس على من تجسد الجبال لعظمته وتندك الشوامخ من هيبته :﴿وإنا إذا أذقنا﴾ بعظمتنا التي لا يمكن مخالفتها.


الصفحة التالية
Icon