ثم قال تعالى في وصف ذلك اليوم ﴿مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ﴾ ينفع في التخلص من العذاب ﴿وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ﴾ ممن ينكر ذلك حتى يتغير حالكم بسبب ذلك المنكر، ويجوز أن يكون المراد من النكير الإنكار أي لا تقدرون أن تنكروا شيئاً مما افترفتموه من الأعمال ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ﴾ أي هؤلاء الذين أمرتهم بالاستجابة أي لم يقبلوا هذا الأمر ﴿فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ بأن تحفظ أعمالهم وتحصيها ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ﴾ وذلك تسلية من الله تعالى، ثم إنه تعالى بيّن السبب في إصرارهم على مذاهبهم الباطلة، وذلك أنهم وجدوا في الدنيا سعادة وكرامة الفوز بمطالب الدنيا يفيد الغرور والفجور والتكبر وعدم الانقياد للحق فقال :﴿وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا﴾ ونعم الله في الدنيا وإن كانت عظيمة إلا أنها بالنسبة إلى السعادات المعدة في الآخرة كالقطرة بالنسبة إلى البحر فلذلك سماها ذوقاً فبيّن تعالى أن الإنسان إذا فاز بهذا القدر الحقير الذي حصل في الدنيا فإنه يفرح بها ويعظم غروره بسببها ويقع في العجب والكبر، ويظن أنه فاز بكل المنى ووصل إلى أقاصي السعادات، وهذه طريقة من يضعف اعتقاده في سعادات الآخرة، وهذه الطريقة مخالفة لطريقة المؤمن الذي لا يعد نعم الدنيا إلا كالوصلة إلى نعم الآخرة، ثم بيّن أنه متى أصبتهم سيئة أي شيء يسوءهم في الحال كالمرض والفقر وغيرهما فإنه يظهر منه الكفر وهو معنى قوله ﴿فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ﴾ والكفور الذي يكون مبالغاً في الكفران ولم يقل فإنه كفور، ليبين أن طبيعة الإنسان تقتضي هذه الحالة إلا إذا أدبها الرجل بالآداب التي أرشد الله إليها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ١٥٧ ـ ١٥٨﴾


الصفحة التالية
Icon