كان ذلك أدل دليل على أنه لا اختيار لأحد معه وأن الأسباب لا تؤثر أصلاً إلا به.
ولما كانت ولادة الإناث أدل على عدم اختيار الولد وكانوا يعدونه من البلاء الذي ختم به ما قبلها قدمهن في الذكر فقال :﴿يهب﴾ خلقاً ومولداً ﴿لمن يشاء﴾ أولاداً ﴿إناثاً﴾ أي فقط ليس معهن ذكر كما في لوط عليه الصلاة والسلام، وعبر سبحانه فيهن بلفظ الهبة لأن الأوهام العادية قد تكتنف العقل فتحجبه عن تأمل محاسن التدبيرات الإلهية، وترمي به في مهاوي الأسباب الدنيوية، فيقع المسلم مع إسلامه في مضاهاة الكفار في كراهة البنات وفي وادي الوأد بتضييعهن أو التقصير في حقوقهن وتنبيهاً على أن الأنثى نعمة، وأن نعمتها لا تنقص عن نعمة الذكر وربما زادت، وإيقاظاً من سنة الغفلة على أن التقديم وإن كان لما قدمته لا يقدم تأنيساً وتوصية لهن واهتماماً بأمرهن، نقل ابن ميلق عن ابن عطية عن الثعلبي أن واثلة بن الأسقع ـ رضى الله عنه ـ قال : من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر لأن الله تعالى بدأ بالإناث، ولذلك رغب النبي ـ ﷺ ـ في الإحسان إليهن في أحاديث كثيرة ورتب على ذلك أجراً كبيراً ولأجل تضمين الهبة مع الخلق عداها باللام مع أن فعلها متعد بنفسه إلى مفعولين لئلا يتوهم أن الولد كان لغير الوالد ووهبه الله له.
ولما كان الذكر حاضراً في الذهن لشرفه وميل النفس إليه لا سيما وقد ذكر به ذكر الإناث، عرف لذلك وجبراً لما فوته من التقديم في الذكر تنبيهاً على أنه ما أخر إلا لما ذكر من المعنى فقال :﴿ويهب لمن يشاء الذكور﴾ أي فقط ليس بينهن أنثى كما صنع لإبراهيم عليه السلام وهو عم لوط عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon