فجعل في هذا الحديث أيضاً العلو يقتضي الذكورة والأنوثة ؛ فعلى مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه للأعمام والذكورة إن علا مَنِيّ الرجل، وكذلك يلزم إن علا مَنِيّ المرأة اقتران الشبه للأخوال والأنوثة ؛ لأنهما معلولاَ علّةٍ واحدة، وليس الأمر كذلك بل الوجود بخلاف ذلك ؛ لأنا نجد الشبه للأخوال والذكورة والشّبه للأعمام والأنوثة فتعين تأويل أحد الحديثين.
والذي يتعين تأويله الذي في حديث ثَوْبان فيقال : إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم، ووجهه أن العلو لما كان معناه الغلبة من قولهم سابقني فلان فسبقته أي غلبته ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ [ المعارج : ٤١ ] أي بمغلوبين، قيل عليه : علا.
ويؤيد هذا التأويل قوله في الحديث :" إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا " وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على هذه الأحاديث بناء فقال : إن للماءين أربعة أحوال : الأوّل أن يخرج ماء الرجل أولاً، الثاني أن يخرج ماء المرأة أوّلاً، الثالث أن يخرج ماء الرجل أوّلاً ويكون أكثر، الرابع أن يخرج ماء المرأة أوّلاً ويكون أكثر.
ويتم التقسيم بأن يخرج ماء الرجل أوّلاً ثم يخرج ماء المرأة بعده ويكون أكثر أو بالعكس ؛ فإذا خرج ماء الرجل أوّلاً وكان أكثر جاء الولد ذكراً بحكم السبق وأشبه الولد أعمامه بحكم الكثرة.
وإن خرج ماء المرأة أوّلاً وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم الغلبة.
وإن خرج ماء الرجل أوّلاً لكن لما خرج ماء المرأة بعده كان أكثر كان الولد ذكراً بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة، وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل كان أعلى من ماء المرأة كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة وأشبه أعمامه بحكم غلبة ماء الرجل.
قال : وبانتظام هذه الأقسام يستتب الكلام ويرتفع التعارض عن الأحاديث، فسبحان الخالق العليم.