فهذا عموم مدح فلا يجوز تخصيصه ؛ لأن القدرة تقتضيه.
وأما قوله :﴿ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكورأو يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً ﴾ فهذا إخبار عن الغالب في الموجودات، وسكت عن ذكر النادر لدخوله تحت عموم الكلام الأوّل، والوجود يشهد له والعِيان يكذب منكره، وقد كان يقرأ معنا برِباط أبي سعيد على الإمام الشهيد من بلاد المغرب خنثى ليس له لحية وله ثديان وعنده جارية ؛ فربُّك أعلم به، ومع طول الصحبة عقلني الحياء عن سؤاله، وبودّي اليوم لو كاشفته عن حاله.
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)
فيه مسألتان :
الأولى قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً ﴾ سبب ذلك " أن اليهود قالوا للنبيّ ﷺ : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيًّا كما كلّمه موسى ونظر إليه ؛ فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك.
فقال النبي ﷺ :"إن موسى لم ينظر إليه" " فنزل قوله :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً ﴾ ؛ ذكره النقاش والواحدي والثعلبي.
﴿ وَحْياً ﴾ قال مجاهد : نَفْثٌ يُنْفَث في قلبه فيكون إلهاماً ؛ ومنه قوله ﷺ :" إن روح القُدُس نَفَث في رُوعِي إنّ نَفْساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
خذوا ما حلّ ودَعُوا ما حَرُم " ﴿ أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾ كما كلم موسى.
﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ﴾ كإرساله جبريل عليه السلام.
وقيل :"إِلاَّ وَحْياً" رؤيا يراها في منامه ؛ قاله محمد بن زهير.
"أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ" كما كلم موسى.
"أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً" قال زهير : هو جبريل عليه السلام.