والثالث : إرسال الملك كالغالب من حال نبينا ﷺ وهو حال كثير من الأنبياء عليهم السلام، ، وزعم أنه من خصوصيات أولي العزم من المرسلين غير صحيح وهو المراد بقوله عز وجل :﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ﴾ أي ملكاً ﴿ فَيُوحِىَ ﴾ ذلك الرسول إلى المرسل إليه الذي هو الرسول البشري ﴿ بِإِذْنِهِ ﴾ أي بأمره تعالى وتيسيره سبحانه :﴿ مَا يَشَاء ﴾ أن يوحيه، وهذا يدل على أن المراد من الأول الوحي من الله تعالى بلا واسطة لأن إرسال الرسول جعل فيه إيحاء ذلك الرسول، وبني المعتزل على هذا الحصر أن الرؤية غير جائزة لأنها لو صحت لصح التكليم مشافهة فلم يصح الحصر، وقال بعض : المراد حصر التكليم في الوحي بالمعنى المشهور والتكليم من وراء حجاب وتكليم الرسل البشريين مع أممهم، واستبعد بأن العرف لم يطرد في تسمية ذلك إيحاء، وقال القاضي إن قوله تعالى :﴿ إِلاَّ وَحْياً ﴾ معناه إلا كلاماً خفياً يدرك بسرعة وليس في ذاته مركباً من حروف مقطعة وهو ما يعم المشافهة كما روى في حديث المعراج وما وعد به في حديث الرؤية والمهتف به كما اتفق لموسى عليه السلام في الطور لكن عطف قوله تعالى :﴿ أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ ﴾ عليه يخصه بالأول فالآية دليل على جواز الرؤية لا على امتناعها، وإلى الأول ذهب الزمخشري وانتصر له صاحب الكشف عفا الله تعالى عنه فقال : وأما نحن فنقول والله تعالى أعلم : إن قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ ﴾ على التعميم يقتضي الحصر بوجه لا يخص التكلم بالأنبياء عليهم ويدخل فيه خطاب مريم وما كان لأم موسى وما يقع للمحدثين من هذه الأمة وغيرهم فحمل الوحي على ما ذهب إليه الزمخشري أولى.
ثم أنه يلزم القاضي أن لا يكون ما وقع من وراء حجاب وحياً لا أنه يخصصه لأنه نظير قولك : ما كان لك أن تنعم إلا على المساكين وزيد، نعم يحتمل أن يكون زيد داخلاً فيهم على نحو { ملائكته...


الصفحة التالية
Icon