والنوع الثاني : أن يكون الكلام من وراء حجاب يسمعه سامعه ولا يرى مصدره بأن يخلق الله كلاماً في شيء محجوب عن سامعه وهو ما وصف الله هنا بقوله :﴿ أو من وراء حجاب ﴾.
والمعنى : أو محجوباً المخاطَب بالفتح عن رؤية مصدر الكلام، فالكلام كأنه من وراء حجاب، وهذا مثل تكليم الله تعالى موسى في البقعة المباركة من الشجرة، ويحصل علم المخاطب بأن ذلك الكلام من عند الله أول مرة بآية يريه الله إياها يعلم أنها لا تكون إلا بتسخير الله كما علم موسى ذلك بانقلاب عصاهُ حيّة ثم عَوْدِها إلى حالتها الأولى، وبخروج يده من جَيْبه بيضاء، كما قال تعالى :﴿ آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى اذهَبْ إلى فرعون إنه طغى ﴾ [ طه : ٢٢، ٢٤ ].
ثم يصير بعد ذلك عادة يعرف بها كلام الله.
واختص بهذا النوع من الكلام في الرسل السابقين موسى عليه السلام وهو المراد من قوله تعالى :﴿ قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي ﴾ [ الأعراف : ١٤٤ ] وليس الوحي إلى موسى منحصراً في هذا النوع فإنه كان يوحى إليه الوحي الغالب لجميع الأنبياء والرسل وقد حصل هذا النوع من الكلام لمحمد ﷺ ليلة الإسراء، فقد جاء في حديث الإسراء : أن الله فرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة ثم خفّف الله منها حتى بلغت خمس صلوات وأنه سمع قوله تعالى:
" أتممتُ فريضتي وخففت عن عبادي ".
وأشارت إليه سورة النجم ( ٦، ١٢ ) بقوله تعالى :﴿ فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلَّى فكان قابَ قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفَتُمَارونه على ما يَرى ﴾ والقول بأنه سمع كلام الله ليلة أسري به إلى السماء مرويّ عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وجعفر بن محمد الصادق والأشعري والواسطي، وهو الظاهر لأن فضل محمد على جميع المرسلين يستلزم أن يعطيه الله من أفضل ما أعطاه رسله عليهم السلام جميعاً.