ولما كان أكثر الناس يقول في نفسه : لو بسط إليّ الرزق لعملت الخير، وتجنبت الشر، وأصلحت غاية الإصلاح، قال معللاً ما أخبر به في أسلوب التأكيد :﴿إنه﴾ وكان الأصل : بهم، ولكنه قال :﴿بعباده﴾ لئلا يظن أن الأمر خاص بمن وسع عليهم أو ضيق عليهم :﴿خبير بصير﴾ يعلم جميع ظواهر أمورهم وحركاتهم وانتقالاتهم وكلامهم وبواطنها فيقيم كل واحد فيما يصلح له من فساد وصلاح وبغي وعدل، ويهيئ لكل شيء من ذلك أسبابه.
ولما ذكر إنزال الرزق على هذ المنوال، وكان من الناس ممن خذله الإضلال من يقول : إن ما الناس فيه من المطر والنبات وإخراج الأقوات إنما هو عادة الدهر بين أنه سبحانه هو الفاعل لذلك بقدرته واختياره بما هو كالشمس من أنه قد يحبس المطر عن إبانه وإعادته في وقته وأوانه، حتى ييأس الناس منه ثم ينزله إن شاء، فقال معبراً بالضمير الذي هو غيب لأجل أن إنزال الغيث من مفاتيح الغيب :﴿وهو﴾ أي لا غيره قادر على ذلك فإنه هو ﴿الذي ينزل الغيث﴾ أي المطر الذي يغاث به الناس أي يجابون إلى ما سألوا ويغاثون ظاهراً كما ينزل الوحي الذي يغاثون به ظاهراً وباطناً.


الصفحة التالية
Icon