ولما كانت ثقيلة في أنفسها، وكان يوضع فيها من الأحمال ما يثقل الجبال، وكان كل ثقيل ليس له من ذاته إلا الغوص في الماء، كانت كأنها فيه لا عليه لأنها جديرة بالغرق فقال تعالى محذراً من سطواته متعرفاً بجليل نعمته معرفاً بحقيقة الجواري :﴿في البحر كالأعلام﴾ أي الجبال الشاهقة بما لها من العلو في نفسها عن الماء ثم بما يوصلها وما فيه من الشراع عليها من الارتفاع، وقال الخليل : كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
ولما كان كأنه قيل : وما تلك الآيات؟ ذكر ما يخوفهم منها ويعرفهم أن جميع ما أباحهم إياه من شؤونها إنما هو بقدرته واختياره فقال :﴿إن يشاء﴾ أي الله الذي حملكم فيها على ظهر الماء آية بينة سقط اعتبارها عندكم لشدة الفكر لها ﴿يسكن الريح﴾ التي يسيرها وانتم مقرّون أن أمرها ليس إلا بيده ﴿فيظللن﴾ أي فتسبب عن ذلك أنهن يظللن أن يقمن ليلاً كان أو نهاراً، ولعله عبر به مع أن أصله الإقامة نهاراً لأن النهار موضع الاقتدار على الأشياء وهو المنتظر عند كل متعسر للسعي في إزالة عسره وتيسر أمره ﴿رواكد﴾ أي ثوابت مستقرات من غير سير ﴿على ظهره﴾ ثباتاً ظاهراً بما دل عليه إثبات اللامين وفتح لامه الأولى للكل.


الصفحة التالية
Icon