ثم قال :﴿نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا﴾ وهذا يدل على أنه تعالى بعد أن جعل القرآن نفسه في نفسه هدىً كما قال :﴿هُدًى لّلْمُتَّقِينَ﴾ [ البقرة : ٢ ] فإنه قد يهدي به البعض دون البعض وهذه الهداية ليست إلا عبارة عن الدعوة وإيضاح الأدلة لأنه تعالى قال في صفة محمد ﷺ ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ﴾ وهو يفيد العموم بالنسبة إلى الكل وقوله ﴿نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ يفيد الخصوص فثبت أن الهداية بمعنى الدعوة عامة والهداية في قوله ﴿نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ خاصة والهداية الخاصة غير الهداية العامة فوجب أن يكون المراد من قوله ﴿نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ أمراً مغايراً لإظهار الدلائل ولإزالة الأعذار، ولا يجوز أيضاً أن يكون عبارة عن الهداية إلى طريق الجنّة لأنه تعالى قال :﴿ولكن جعلناه نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ أي جعلنا القرآن نوراً نهدي به من نشاء، وهذا لا يليق إلا بالهداية التي تحصل في الدنيا، وأيضاً فالهداية إلى الجنّة عندكم في حق البعض واجب، وفي حق الآخرين محظور، وعلى التقديرين فلا يبقى لقوله ﴿مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ فائدة، فثبت أن المراد أنه تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء ولا اعتراض عليه فيه.
ثم قال تعالى لمحمد ﷺ :﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ﴾ فبيّن تعالى أنه كما أن القرآن يهدي فكذلك الرسول يهدي، وبيّن أنه يهدي إلى صراط مستقيم وبيّن أن ذلك الصراط هو ﴿صراط الله الذى لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض﴾ نبّه بذلك على أن الذي تجوز عبادته هو الذي يملك السموات والأرض، والغرض منه إبطال قول من يعبد غير الله.