وقوله تعالى :﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله ﴾ الآية نزلت بسبب خوض كان للكفار في معنى تكليم الله موسى ونحو ذلك، ذهبت قريش واليهود في ذلك إلى تجسيم ونحوه، فنزلت الآية مبينة صورة تكليم الله عباده كيف هو، فبين الله أنه لا يكون لأحد من الأنبياء ولا ينبغي له ولا يمكن فيه أن يكلمه الله إلا بأن يوحي إليه أحد وجوه الوحي من الإلهام. قال مجاهد، والنفث في القلب. وقال النقاش : أو وحي في منام؟ قال إبراهيم النخعي : كان من الأنبياء من يخط له في الأرض ونحو هذا، أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزاً كموسى عليه السلام، وهذا معنى :﴿ من وراء حجاب ﴾ أي من خفاء عن المتكلم لا يحده ولا يتصور بذهنه عليه، وليس كالحجاب في الشاهد، أو بأن يرسل إليه ملكاً يشافهه بوحي الله تعالى. وقرأ جمهور القراء والناس :" أو يرسلَ " بالنصب " فيوحيَ " بالنصب أيضاً. وقرأ نافع وابن عامر وأهل المدينة :" أو يرسلُ " بالرفع " فيوحيَ " بالنصب أيضاً. وقرأ نافع وابن عامر وأهل المدينة :" أو يرسلُ " بالرفع " فيوحي " بسكون الياء ورفع الفعل. فأما القراءة الأولى فقال سيبويه : سألت الخليل عنها فقال : هي محمولة على ﴿ أن ﴾ غير التي في قوله :﴿ أن يكلمه الله ﴾ لأن المعنى كان يفسد لو عطف على هذه، وإنما التقدير في قوله :﴿ وحياً ﴾ إلا أن يوحي وحياً.
وقوله :﴿ من وراء حجاب ﴾، ﴿ من ﴾ متعلقة بفعل يدل ظاهر الكلام عليه، تقديره : أو يكلمه من وراء حجاب، ثم عطف :" أو يرسل " على هذا الفعل المقدر.


الصفحة التالية
Icon