ولما كان المعنى : ولكن نحن أدريناك بذلك كله، عبر عنه إعلاماً بأن الخلق كانوا في ظلام لكونهم كانوا يفعلون بوضع الأشياء في غير مواضعها فعل من يمشي في الظلام بقوله :﴿ولكن جعلناه﴾ أي الروح الذي هو الكتاب المنزل منا إليك المعلم بالإيمان وكل عرفان بما لنا من العظمة ﴿نوراً نهدي﴾ على عظمتنا ﴿به من نشاء﴾ خاصة لا يقدر أحد على هدايته بغير مشيئتنا ﴿من عبادنا﴾ بخلق الهداية في قلبه، قال ابن برجان : فمن رزقه الفرقان الذي يفرق بين المتشابهات والنور الذي يمشي به في الظلمات، فذلك الذي أبصر شعاع النور وشاهد الضياء المبثوث في العالم المفطور، وعلى قدر إقباله عليه والتفرغ عن كل شاغل عنه يكون قبوله له وهدايته به، وقال الأصبهاني في سورة النور : هو الكيفية الفائضة من الشمس والقمر والنار مثلاً على الأرض والجدار وغيرهما، يقال : استنارت الأرض، وقال حجة الإسلام الغزالي ـ رضى الله عنه ـ : ومن المعلوم أن هذه الكيفية إنما اختصت بالفضيلة والشرف لأن المرئيات تصير بسببها ظاهرة ثم من المعلوم أنه كما يتوقف إدراك هذه المرئيات على كونها مستنيرة فكذلك يتوقف على وجود اليعن الباصرة وهي المدركة وبها الإدراك، فكان وصف الإظهار بالنور الباصر أحق بالنور المبصر فلا جرم أطلقوا اسم النور على نور العين المبصرة فقالوا في الخفاش : إن نور عينيه ضعيف، وفي الأعمى أنه فقد نور البصر، إذا ثبت هذا فنقول : للإنسان بصر وبصيرة، فالبصر هو العين الظاهرة المدركة للأضواء والألوان والبصيرة هي القوة العاقلة وكل واحد من الإدراكين يقتضي نوراً، ونور العقل أقوى وأشد من نور العين، لأن القوة الباصرة لا تدرك نفسها ولا إدراكها ولا آلاتها، والقوة العاقلة تدرك نفسها، وإدراكها وآلتها فنور العقل اكمل من نور البصر، والقوة العاقلة تدرك الكليات والقوة الباصرة لا تدركها، وإدراك الكليات أشرف لانه لا يتغير بخلاف الجزئيات، وإدراك العقل منتج


الصفحة التالية
Icon