قال تعالى "إِنْ هُوَ" ما عيسى ابن مريم الذي ضربتم به الأمثال وقلتم ما قلتم فيه بأنه إله وهو براء من ذلك، إذ ليس بإله وما هو "إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ" بالنبوة والرسالة كسائر عبادنا الذين اصطفيناهم لإرشاد العباد "وَجَعَلْناهُ مَثَلًا" عبرة عجيبة وآية كبيرة "لِبَنِي إِسْرائِيلَ" ٥٩ إذ خلقناه من غير أب كما خلقنا آدم من للتراب، راجع الآية ٩٠ من آل عمران في ج ٣، وصار يضرب فيه المثل ليتأكدوا من قدرة اللّه تعالى ويعلموا أن العبد المخلوق لا يكون إلها، قال تعالى "وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا" ولدنا منكم يا أهل مكة وأنتم رجال ليس من شأنكم الولادة كما ولدنا حواء من آدم على خلاف ما جرت به العادة "مَلائِكَةً" كما ولدنا عيسى، وهذا تذييل لوجه دلالته على القدرة البالغة وهو أعجب وأبدع من خلق عيسى من غير أب،
أقررناهم "فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ" ٦٠ يخلفونكم فيها في
السكن والتصرف كما كنتم خلفا لمن قبلكم وكما يخلفكم أولادكم، وإذا صيرناهم كذلك فإنهم لا يستحقون العبادة أيضا لأنهم مخلوقون مثلكم، إلا أن خلقهم على طريق الإبداع وشأنهم التقديس والتحميد والتسبيح، وأنتم خلقكم بطريق التوالد وشأنكم العمل، ومع هذا فنحن قادرون على أن نخلقهم منكم ونجعلهم يعملون كما تعملون من عمارة الأرض ويعبدونني ويطيعونني كالملائكة في السماء ونجعلهم متصرفين في الأرض، كما أن الملائكة يتصرفون في السماء
"وَإِنَّهُ" عيسى ابن مريم "لَعِلْمٌ" علامة "لِلسَّاعَةِ" أي نزوله من محل رفعه علامة على قرب القيامة، وهذه الآية صريحة بأن سيدنا عيسى سينزل من السماء إلى الأرض التي رفع منها، ويؤيد هذا ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد.


الصفحة التالية
Icon