وقد رد أبو البقاء هذا الوجه، فقال : لأن ذلك يوجب تعلّق " نعلم " عن العمل، وإذا علقت عنه لم يبق لـ " من " ما تتعلّق به، لأن ما بعد الاستفهام لا يتعلّق بما قبله، ولا يصحّ تعلها بـ " يتبع " ؛ لأنها في المعنى متعلّقة بلا علامة، وليس المعنى : أي فريق يتبع ممن ينقلب انتهى.
وهو رد واضح إذ ليس المعنى على ذلك، إنما المعنى على أن يتعلق " مِمَّنْ يَنْقَلِبُ " بـ " نعلم " نحو : علمت من أحسن إليك مِمّن أساء، وهذا يقوي التجوز بالعلم عن التمييز، فإن العلم لا يتعدى بـ " من " إلا إذا أريد به التمييز.
ورأ الزهري :" إلاَّ لِيُعْلم " على البناء للمفعول، وهي قراءة واضحة لا تحتاج إلى تأويل، لأنا لا نقدر ذلك الفاعل غير الله تعالى.
قوله :" عَلَى عَقِبَيْهِ " في محلّ نصب على الحال، أي ينقلب مرتدّاً راجعاً على عقبيه، وهذا مجاز، [ ووجه الاستعارة أن : المنقلب على عقبيه قد ترك ما بين يديه وأدبر عنه، فلما تركوا الإيمان والدلائل بمنزلة المدبر عما بين يديه، فوصفوا بذلك لما قال تعالى :﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ واستكبر ﴾ [ المدثر : ٢٣ ] وقوله تعالى :﴿ كَذَّبَ وتولى ﴾ [ طه : ٤٨ ].
وقرئ " عَلَى عَقْبَيْهِ " بسكون القاف، وهي لغة " تميم ".
قوله :" وإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً " " إنْ " هي المخففة من الثقيلة دخلت على ناسخ المبتدأ والخبر، وهو أغلب أحوالها، و" اللام " للفرق بينها وبين " إن " النافية، وهل هي لام الابتداء، أو لام أخرى أتى بها للفرق ؟ خلاف مشهور.
وزعم الكوفيون أنها بمعنى " ما " النافية، وأن " اللام " بمعنى " إلا "، والمعنى : ما كانت إلا كبيرة، نقل ذلك عنهم أبو البقاء رحمه الله [ وفيه نظر.
واعلم أن " إن " المكسورة الخفيفة تكون على أربعة أوجه :
جزاء، وهي تفيد ربط إحدى الجملتين بالأخرى، فالمستلزم هو الشرط، واللازم هو الجزاء، كقولك : إن جئتني أكرمتك.