قلت : وثم وجه آخر أدق مما ذكره الفخر في علمهم حقيّة ذلك التحويل، وأنه من أعلام نبوته ﷺ، وبيانه : أن أمره تعالى للنبي ﷺ، ولكافة من اتبعه، باستقبال الكعبة، من جملة الاستعلان في فاران المذكور في التوراة إشارةً لخاتم النبيين وبشارة به ؛ فقد جاء في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية - ويقال الاستثناء - هكذا : وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجلُ الله بني إسرائيل قبل موته فقال : جاء الرب من سيناءَ، وأشرق لهم من سَعِير، وتلألأ من جبل فارانَ.
وهذه البشارة تنبه على موسى وعيسى ومحمد ﷺ ؛ لأن الله تعالى أنزل التوراة على موسى في طور سيناء، والإنجيل على عيسى في جبل سُعَيْر، لأنه عليه السلام كان يسكن أرض الخليل من سُعَيْر بقرية تدعى الناصرة. وتلألؤه من جبل فاران عبارة عن إنزاله القرآن على محمد ﷺ في جبل فاران، وفاران هي مكة. لا يخالفنا في ذلك أهل الكتاب ؛ ففي الإصحاح الحادي والعشرين من سفر التكوين في حال إسماعيل عليه السلام هكذا : وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينموا رامي قوس، وسكن في برّية فاران.
ولا شك أن إسماعيل، عليه السلام، كان سكناه في مكة، وفيها مات وبها دفن.
وقال ابن الأثير : وفي الحديث ذكر جبل فاران اسم لجبال مكة بالعبرانيّ، له ذكر في أعلام النبوة، وألفه الأولى ليست بهمزة ﴿ وََمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ قرئ بالياء والتاء. فيه إنباء بتماديهم على سوء أحوالهم. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٢ صـ ٤٦٨ ـ ٤٧٠﴾


الصفحة التالية
Icon