ففي طيّ كل خطاب له يظهر الله عز وجل فيه إكراهه على أخذ حكم الحق وإمضاء العدل أعظم مدحة له والتزام لوصيته إياه، فهو ممدوح بما هو مخاطب بخطاب الإكراه على إمضاء العدل والاختصار في أمر رحمته للعالمين، فرفعه الله أن يكون ممن يضع رحمة في موضع استحقاق وضع النقمة، فذلك الذي بجمع معناه بين متقابل الظالمين فيمن يضع النقمة موضع الرحمة فيكون أدنى الظلم، أو من يضع الرحمة في موضع النقمة فيكون منه بتغيير الوضع بوضع الفضل موضع العدل ؛ وعلى ذلك جميع ما ورد في القرآن من نحو قوله :﴿فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك﴾ أي في إمضاء العدل ﴿فلا تكونن من الممترين﴾ [ يونس : ٩٤ ] في طلب الفضل لأهل العدل فإن الله يمضي عدله كما يفيض فضله، وكذلك قوله :﴿عبس وتولى أن جاءه الأعمى﴾ [ عبس : ١-٢ ] فيه إظهار لمدحته بحرصه على تألف الأبعدين ووصل القاطعين حتى ينصرف عنهم بالحكم وإشادة الإكراه عليه في ذلك، فلا ينصرف عن حكم الوصية إلى حكم الكتاب بالحق إلا عن إشادة بإكراهه عليه، فهو محمود بما هو منهي عنه، لأن خطابه أبداً في ذلك في القرآن فيما بين الفضل والعدل، وخطاب سائر الخلق جار فيما بين العدل والجور، فبين الخطابين ما بين درج العلو، ودرك السفل في مقتضى الخطابين المتشابهين في القول المتباينين في العلم - انتهى.
وسيأتي في قوله تعالى :﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم﴾ [ التوبة : ٤٣ ] في سورة التوبة ما يوضحه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٦٨ ـ ٢٦٩﴾