والشهادة الأخروية هي ما رواه البخاري والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله ـ ﷺ ـ " يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعَمْ يا رب فتُسْأل أمتُه هل بلغكم فيقولون ما جاءنا من نذير فيقول الله مَن شهودك فيقول محمد وأمته فيجاء بكم فتشهدون ثم قرأ رسول الله ـ ﷺ ـ ﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً﴾ قال عدلاً {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً " اه. فقوله ثم قرأ يدل على أن هذه الشهادة من جملة معنى الآية لا أنها عين معنى الآية.
ومن مكملات معنى الشهادة على الناس في الدنيا وجوب دَعوتنا الأممَ للإِسلام، ليقوم ذلك مقامَ دعوة الرسول إياهم حتى تتم الشهادة للمؤمنين منهم على المعرضين.
والشهادة على الأمم تكون لهم وعليهم، ولكنه اكتفى في الآية بتعديتها بعلى إشارة إلى أن معظم شهادة هذه الأمة وأهمها شهادتهم على المعرضين لأن المؤمنين قد شَهِد لهم إيمانهم فالاكتفاء بعلى تحذير للأمم من أن يكونوا بحيث يشهد عليهم وتنويه بالمسلمين بحالة سلامتهم من وصمة أن يكونوا ممن يشهد عليهم وبحالة تشريفهم بهاته المنقبة وهي إثقاف المخالفين لهم بموجب شهادتهم.
وقد دلت هذه الآية على التنويه بالشهادة وتشريفها حتى أظهر العليم بكل شيء أنه لا يقضي إلاّ بعد حصولها. ويؤخذ من الآية أن الشاهد شهيد بما حصل له من العلم وإن لم يشهده المشهود عليه وأنه يشهد على العلم بالسماع والأدلة القاطعة وإن لم ير بعينه أو يسمع بأذنيه، وأن التزكية أصل عظيم في الشهادة، وأن المزكي يجب أن يكون أفضل وأعدل من المزكَّى، وأن المزكي لا يحتاج للتزكية، وأن الأمَّة لا تشهد على النبي ـ ﷺ ـ ولهذا كان يقول في حجة الوداع :" أَلاَ هل بَلغْتُ فيقولون نعم فيقول اللهم اشْهَد " فجعل الله هو الشاهد على تبليغه وهذا من أدق النكت.


الصفحة التالية
Icon