وتسميتهم سفهاء ناظر إلى قوله فيما مضى عمن نافق منهم ومن غيرهم ﴿ألا إنهم هم السفهاء﴾ [ البقرة : ١٣ ]، لأنهم وإن كانوا مصارحين بالكفر فاسم النفاق منطبق عليه من جهة أخرى وهو أنهم أظهروا الكفر وأبطنوا معرفة الإيمان، أظهروا التكذيب وأبطنوا ما هم عارفون به من صدقه، وأيضاً فإذا كان المنافقون الذين أظهروا حسناً سفهاء لما أبطنوه من القبيح فالذين عمهم القبح ظاهراً وباطناً أسفه : وإلى قوله قريباً ﴿ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه﴾ [ البقرة : ١٣٠ ] لما تقرر من مخالفتهم له وإن ادعوا الموافقة.
وقال :﴿لله﴾ أي الملك المحيط بكل شيء عظمة وعلماً ﴿المشرق والمغرب﴾ مخصصاً لهما لكونهما مجمعي الآفاق كما مضى فلا تختص بالوجهة إليه جهة دون أخرى فما أمر به فهو الحق.
ولما قرر أن الجهات كلها بالنسبة إليه سواء لأنها ملكه، على أن من توجه إلى شيء منها بأمره أصاب رضاه وذلك هو الوصول إليه فعبر عن ذلك مستأنفاً بقوله معظماً لأهل الإسلام ومعرفاً بعنايته بهم :﴿يهدي إليه من يشاء﴾ أي من عباده، وعظم الكعبة بقوله :﴿إلى صراط المستقيم﴾ في أي جهة كانت، فمتى سلكه وصل إلى المقصود من غير ضلال، ونكّره لأن المراد به جزئيات من الشريعة ؛ وأما الصراط المعرف في الفاتحة فالمراد به الشريعة كلها بما دلت عليه " أل " من الكمال. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٢٥٩ ـ ٢٦١﴾


الصفحة التالية
Icon