وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أخر سبحانه بامتحان خلف بني إسرائيل في شكهم في كتابهم بقوله :﴿وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾ [ الشورى : ١٤ ] ووصى نبيه ـ ﷺ ـ بالتبري من سيئ حالهم والتنزه عن سوء محالهم فقال ﴿ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب﴾ الآية [ الشورى : ١٥ ] وتكرر الثناء على الكتاب العربي كقوله ﴿وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً﴾ [ الشورى : ٧ ] وقوله ﴿الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان﴾ [ الشورى : ١٧ ] وقوله ﴿وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا﴾ - إلى آخر السورة، أعقب ذلك بالقسم به وعضد الثناء عليه فقال ﴿حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم﴾ ولما أوضح عظيم حال الكتاب وجليل نعمته به، أردف ذلك بذكر سعة عفوه وجميل إحسانه إلى عباده ورحمتهم بكتابه مع إسرافهم وقبيح مرتكبهم فقال :﴿أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين﴾ ولما قدم في الشورى قوله ﴿لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً﴾ فأعلم أن ذلك إنما يكون بقدرته وإرادته، والجاري على هذا أن يسلم الواقع من ذلك ويرضى بما قسم واختار، عنف تعالى في هذه السورة من اعتدى وزاغ فقال ﴿وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم﴾ فكمل الواقع هنا بما تعلق به، وكذلك قوله تعالى ﴿ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض﴾ وقوله في الزخرف ﴿ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة﴾ إلى آخره - انتهى.