وقال الزمخشري : وصفحاً على وجهين : إما مصدر من صفح عنه، إذا أعرض منتصباً على أنه مفعول له على معنى : أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم؟ وإما بمعنى الجانب من قولهم : نظر إليه بصفح وجهه.
وصفح وجهه على معنى : أفننحيه عنكم جانباً؟ فينصب على الظرف، كما تقول : ضعه جانباً، وامش جانباً.
وتعضده قراءة من قرأ صفحاً بالضم.
وفي هذه القراءة وجه آخر، وهو أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح، وينتصب على الحال، أي صافحين معرضين.
وقال ابن عطية : صفحاً، انتصابه كانتصاب صنع الله. انتهى.
يعني أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة، فيكون العامل فيه محذوفاً، ولا يظهر هذا الذي قاله، فليس انتصابه انتصاب صنع الله.
وقرأ نافع والإخوان : بكسر الهمزة، وإسرافهم كان متحققاً.
فكيف دخلت عليه إن الشرطية التي لا تدخل إلا على غير المتحقق، أو على المتحقق الذي أنبهم زمانه؟ قال الزمخشري : هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدر عن المدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير : إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك، ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق، مع وضوحه، استجهالاً له.
وقرأ الجمهور : أن بفتح الهمزة، أي من أجل أن كنتم.
قال الشاعر :
أتجزع أن بان الخليط المودع...
وقرأ زيد بن علي : إذ كنتم، بذال مكان النون، لما ذكر خطاباً لقريش، ﴿ أفنضرب عنك الذكر ﴾ ؟ وكان هذا الإنكار دليلاً على تكذيبهم للرسول، وإنكاراً لما جاء به.
آنسه تعالى بأن عادتهم عادة الأمم السابقة من استهزائهم بالرسل، وأنه تعالى أهلك من كان أشد بطشاً من قريش، أي أكثر عدَداً وعُدداً وجلداً.
﴿ ومضى مثل الأولين ﴾ : أي فليحذر قريش أن يحل بهم مثل ما حل بالأولين مكذبي الرسل من العقوبة.


الصفحة التالية
Icon