وقال الشيخ الشنقيطى فى الآيات السابقة :
قوله تعالى :﴿ حم والكتاب المبين إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ الآية.
قد قدمنا الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور في أول سورة هود.
وقوله تعالى ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ قد قدمنا الكلام عليه في سورة الشعراء في الكلام على قوله تعالى :﴿ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾ [ الشعراء : ١٩٤ - ١٩٥ ] وفي سورة الزمر في الكلام على قوله تعالى :﴿ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَج ﴾ [ الزمر : ٢٨ ] الآية.
قوله تعالى :﴿ فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً ومضى مَثَلُ الأولين ﴾.
الضمير في قوله منهم عائد إلى القوم المسرفين، المخاطبين بقوله :﴿ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ ﴾ [ الزخرف : ٥ ]، وفيه ما يسميه علماء البلاغة بالالتفات من الخطاب إلى الغيبة.
وقوله ﴿ أَشَدَّ مِنْهُم ﴾ مفعول به لأهلكنا، وأصله نعت لمحذوف، والتقدير : فأهلكنا قوماً أشد منهم بطشاً، على حد قوله في الخلاصة :
وما من المنعوت والنعت عُقِلْ... يجوز حذفه وفي النعت يَقِل
وقوله بطشاً : تمييز محول من الفاعل على حد قوله في الخلاصة :
والفاعل المعنى انصبن بأفعَلاَ... مفضِّلاً كأنت أعلا منزِلاَ
والبطش : أصله الأخذ بعنف وشدة.
والمعنى : فأهلكنا قوماً أشد بطشاً من كفار مكة الذين كذبوا نبينا بسبب تذكيبهم رسلهم فليحذر الكفار الذين كذبوك أن نهلكهم بسبب ذلك كما أهلكنا الذين كانوا أشد منهم بطشاً، أي أكثر منهم عَدداً وعُدداً وجلداً.
فعلى الأضعف الأقل أن يتعظ بإهلاك الأقوى الأكثر.
وقوله في هذه الآية الكريمة :﴿ ومضى مَثَلُ الأولين ﴾ أي صفتهم التي هي إهلاكهم المستأصل، بسبب تكذيبهم الرسل.
وقول من قال :﴿ مَثَلُ الأولين ﴾ أي عقوبتهم وسنتهم راجع في المعنى إلى ذلك.


الصفحة التالية
Icon