فصل


قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
المراد بقوله :﴿جَعَلُواْ﴾، أي حكموا به، ثم قال :﴿أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ﴾ وهذا استفهام على سبيل الإنكار، يعني أنهم لم يشهدوا خلقهم، وهذا مما لا سبيل إلى معرفته بالدلائل العقلية، وأما الدلائل النقلية فكلها مفرعة على إثبات النبوّة، وهؤلاء الكفار منكرون للنبوة، فلا سبيل لهم إلى إثبات هذا المطلوب بالدلائل النقلية، فثبت أنهم ذكروا هذه الدعوى من غير أن عرفوه لا بضرورة ولا بدليل، ثم إنه تعالى هددهم فقال :﴿سَتُكْتَبُ شهادتهم وَيُسْئَلُونَ﴾ وهذا يدل على أن القول بغير دليل منكر، وأن التقليد يوجب الذم العظيم والعقاب الشديد.
قال أهل التحقيق : هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه أولها : إثبات الولد لله تعالى وثانيها : أن ذلك الولد بنت وثالثها : الحكم على الملائكة بالأنوثة.
المسألة الثانية :
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر :( عند الرحمن ) بالنون، وهو اختيار أبي حاتم واحتج عليه بوجوه الأول : أنه يوافق قوله ﴿إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ﴾ [ الأعراف : ٢٠٦ ] وقوله ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾ [ الأنبياء : ١٩ ] والثاني : أن كل الخلق عباده فلا مدح لهم فيه والثالث : أن التقدير أن الملائكة يكونون عند الرحمن، لا عند هؤلاء الكفار، فكيف عرفوا كونهم إناثاً ؟ وأما الباقون فقرأوا عباد جمع عبد وقيل جمع عابد، كقائم وقيام، وصائم وصيام، ونائم ونيام، وهي قراءة ابن عباس، واختيار أبي عبيد، قال لأنه تعالى رد عليهم قولهم : إنهم بنات الله، وأخبر أنهم عبيد، ويؤيد هذه القراءة قوله ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ [ الأنبياء : ٢٦ ].
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon