عنه في غاية البعد وأما الوجه الثاني : فهو أيضاً ضعيف، لأن قوله ﴿لَوْ شَاءَ الرحمن مَا عبدناهم﴾ ليس فيه بيان متعلق بتلك المشيئة، والإجمال خلاف الدليل، فوجب أن يكون التقدير لو شاء الله ألا نعبدهم ما عبدناهم، وكلمة لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، فهذا يدل على أنه لم توجد مشيئة الله لعدم عبادتهم، وهذا عين مذهب المجبرة، فالإبطال والإفساد يرجع إلى هذا المعنى، ومن الناس من أجاب عن هذا الاستدلال بأن قال إنهم إنما ذكروا ذلك الكلام على سبيل الاستهزاء والسخرية، فلهذا السبب استوجبوا الطعن والذم، وأجاب صاحب "الكشاف" عنه من وجهين الأول : أنه ليس في اللفظ ما يدل على أنهم قالوا مستهزئين، وادعاء ما لا دليل عليه باطل الثاني : أنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أشياء وهي : أنهم جعلوا له من عباده جزءاً وأنهم جعلوا الملائكة إناثاً، وأنهم قالوا ﴿لَوْ شَاءَ الرحمن مَا عبدناهم﴾ فلو قلنا بأنه إنما جاء الذم على القول الثالث لأنهم ذكروه على طريق الجد، وجب أن يكون الحال في حكاية القولين الأولين كذلك، فلزم أنهم لو نطقوا بتلك الأشياء على سبيل الجد أن يكونوا محقين، ومعلوم أنه كفر، وأما القول بأن الطعن في القولين الأولين إنما توجه على نفس ذلك القول، وفي القول الثالث لا على نفسه بل على سبيل الاستهزاء، فهذايوجب تشويش النظم، وأنه لا يجوز في كلام الله.


الصفحة التالية
Icon