ممكن فهو محتاج فثبت أن الزوجية منشأ الفقر والحاجة، وأما الفردانية فهي منشأ الاستغناء والاستقلال لأن العدد محتاج إلى كل واحد من تلك الوحدات، وأما كل واحد من تلك الوحدات فإنه غني عن ذلك العدد، فثبت أن الأزواج ممكنات ومحدثات ومخلوقات وأن الفرد هو القائم بذاته المستقبل بنفسه الغني عن كل ما سواه، فلهذا قال سبحانه :﴿والذي خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا ﴾.
الصفة الثامنة : قوله ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ﴾ وذلك لأن السفر إما سفر البحر أو البر، أما سفر البحر فالحامل هو السفينة، وأما سفر البر فالحامل هو الأنعام وههنا سؤالان :
السؤال الأول : لم لم يقل على ظهورها ؟ أجابوا عنه من وجوه الأول : قال أبو عبيدة التذكير لقوله ما والتقدير ما تركبون الثاني : قال الفرّاء أضاف الظهور إلى واحد فيه معنى الجمع بمنزل الجيش والجند، ولذلك ذكر وجمع الظهور الثالث : أن هذا التأنيث ليس تأنيثاً حقيقياً فجاز أن يختلف اللفظ فيه كما يقال عندي من النساء من يوافقك.
السؤال الثاني : يقال ركبوا الأنعام وركبوا في الفلك وقد ذكر الجنسين فكيف قال تركبون ؟ والجواب : غلب المتعدي بغير واسطة لقوته على المتعدي بواسطة.
ثم قال تعالى :﴿ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ﴾ ومعنى ذكر نعمة الله، أن يذكروها في قلوبهم، وذلك الذكر هو أن يعرف أن الله تعالى خلق وجه البحر، وخلق الرياح، وخلق جرم السفينة على وجه يتمكن الإنسان من تصريف هذه السفينة إلى أي جانب شاء وأراد، فإذا تذكروا أن خلق البحر، وخلق الرياح، وخلق السفينة على هذه الوجوه القابلة لتصريفات الإنسان ولتحريكاته ليس من تدبير ذلك الإنسان، وإنما هو من تدبير الحكيم العليم القدير، عرف أن ذلك نعمة عظيمة من الله تعالى، فيحمله ذلك على الانقياد والطاعة له تعالى، وعلى الاشتغال بالشكر لنعمه التي لا نهاية لها.