وأما المقام الثاني : وهو أن بتقدير ثبوت الولد فإنه يمتنع كونه بنتاً، وذلك لأن الابن أفضل من البنت، فلو قلنا إنه اتخذ لنفسه البنات وأعطى البنين لعباده، لزم أن يكون حال العبد أكمل وأفضل من حال الله، وذلك مدفوع في بديهة العقل، يقال أصفيت فلاناً بكذا، أي آثرته به إيثاراً حصل له على سبيل الصفاء من غير أن يكون له فيه مشارك، وهو كقوله ﴿أفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين﴾ [ الإسراء : ٤٠ ] ثم بيّن نقصان البنات من وجوه الأول : قوله ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ والمعنى أن الذي بلغ حاله في النقص إلى هذا الحد كيف يجوز للعاقل إثباته لله تعالى! وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى، فهجر البيت الذي فيه المرأة، فقالت :
ما لأبي حمزة لا يأتينا.. يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا.. ليس لنا من أمرنا ماشينا
وإنما نأخذ ما أعطينا.. (١)
وقوله ﴿ظِلّ﴾ أي صار، كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة، قال صاحب "الكشاف" : قرىء مسود مسواد، والتقدير وهو مسود، فتقع هذه الجملة موقع الخبر والثاني : قوله ﴿أَو مَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ينشؤ بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين على ما لم يسم فاعله، أي يربى، والباقون ينشأ، بضم الياء وسكون النون وفتح الشين، قال صاحب "الكشاف" : وقرىء يناشأ، قال ونظير المناشأة بمعنى الإنشاء، المغالاة بمعنى الإغلاء.
كأنما ذلك في أيدينا ونحن كالأرض لزارعينا
نخرج ما قد بذروه فينا