ولما كان هذا كالمؤيس منهم، وكان اليأس من صلاح الخصم موجباً لتمني الراحة منه بموت أحدهما، سبب عن التقديرين قوله مبيناً أن الإملاء لهم ليس لعجز عنهم ولا لإخلاف في الوعد، مؤكداً بالنون و " ما " ثم " أنا " والاسمية لمن يظن خلاف ذلك، ولأنه ـ ﷺ ـ مشرف عنده سبحانه وتعالى معظم لديه فذهابه به مما يستبعد، ومن حقه أن ينكر، وكذا إراءته ما توعدهم به لأن المظنون إكرامهم لأجله :﴿فإما نذهبن بك﴾ أي من بين أظهرهم بموت أو غيره ﴿فإنا منهم﴾ أي الذين تقدم التعريض بأنهم صم عمي ضلال لأنهم لن تنفعهم مشاعرهم ﴿منتقمون﴾ أي بعد فراقك لأن وجودك بين أظهرهم هو سبب تأخير العذاب عنهم ﴿أو نرينك﴾ وأنت بينهم ﴿الذي وعدناهم﴾ أي من العذاب وعبر فيه بالوعد ليدل على الخير بلفظه وعلى الشر بأسلوبه فيعم ﴿فإنا﴾ بما تعلم من عظمتنا التي أنت أعلم الخلق بهم ﴿عليهم مقتدرون﴾ على كلا التقديرين، وأكد ب " أن " لأن أفعالهم أفعال من ينكر قدرته، وكذا بالإتيان بنون العظمة وصيغة الافتعال، وأحد هذين التقديرين سبق العلم الأزلي بأنه لا يكون، فالآية من أدلة القدرة على المحال لغيره وهي كثيرة جداً، وقد أكرم الله نبينا محمداً ـ ﷺ ـ عن أن يريه شيئاً يكرهه في أمته حتى قبض.
ولما أوقف سبحانه السامع بهاتين الشرطيتين بين الخوف والرجاء لبيان الاستبداد بعلم الغيب تغليباً للخوف، وأفهم السياق وإن كان شرطاً أن الانتقام منهم أمر لا بد منه، وأنه لا قدرة لأحد على ضرهم ولا نفعهم إلا الله، سبب عنه قوله :﴿فاستمسك﴾ أي أطلب وأوجد بجد عظيم على كل حال الإمساك ﴿بالذي أوحي إليك﴾ من حين نبوتك وإلى الآن في الانتقام منهم وفي غيره.


الصفحة التالية
Icon