ولما كان أتباعهم قد غيروا وبدلوا فلم تكن بهم ثقة، عبر بالرسل فقال :﴿من رسلنا﴾ أي بقراءة أتباعهم لكتبهم التي حرفوا بعضها، وجعلت كتابك مهيمنا عليها فإنهم إذا قرؤوها بين يديك وعرضوها عليك علمت معانيها وفضحت تحريفهم وبينت اتفاق الكتب كلها برد ما ألبس عليهم من متشابهها إلى محكمها، فالمراد من هذا نحو المراد من آية يونس ﴿فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك﴾ [ رقم : ٩٤ ] ومن آية الأنبياء ﴿هذا ذكر من معي وذكر من قبلي﴾ [ رقم : ٢٤ ] مع زيادة الإشارة إلى تحريفهم، فالمسؤول في الحقيقة القرآن المعجز على لسان الرسول الذي شهدت له جميع الرسل الذين أخذ عليهم العهد بالإيمان به والمتابعة له، وبهذا التقرير ظهر ضعف قول من قال : إن المراد سؤال الرسل حقيقة لما جمعوا له ـ ﷺ ـ في بيت المقدس ليلة الإسراء، فإنه ليس المراد من هذا إلا تبكيت الكفار من العرب وممن عزهم من أهل الكتاب بقولهم : دينكم خير من دينه وأنتم أهدى سبيلاً منه، فإنهم إذا أحضروا كتبهم علمت دلالتها القطعية على اختصاصه سبحانه بالعبادة كما بينته في كتابي هذا يرد المتشابه منها إلى المحكم، وجعلها ابن جرير مثل قوله تعالى ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر﴾ [ النساء : ٥٩ ] وقال : ومعلوم أن معنى ذلك : فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله ـ ﷺ ـ، قال : فاستغنى بذكر الرسل عن ذكر الكتب.
وهو عين ما قلته، ولو كان المراد حقيقة السؤال وسؤال جميع الرسل لقال " قبلك " بإسقاط " من " ليستغرق الكل - والله أعلم.