وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي ﴾
يا محمد ﴿ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ أي ليس لك ذلك فلا يضيق صدرك إن كفروا ؛ ففيه تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم.
وفيه ردّ على القدرية وغيرهم، وأن الهدى والرشد والخذلان في القلب خَلْقُ الله تعالى، يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء.
قوله تعالى :﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ﴾ يريد نخرجنك من مكة من أذى قريش.
﴿ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وَعَدْنَاهُمْ ﴾ وهو الانتقام منهم في حياتك.
﴿ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ ﴾ قال ابن عباس : قد أراه الله ذلك يوم بدر ؛ وهو قول أكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة : هي في أهل الإسلام ؛ يريد ما كان بعد النبيّ ﷺ من الفتن.
و"نَذْهَبَنَّ بِكَ" على هذا نتوفينَّك.
وقد كان بعد النبيّ ﷺ نقمة شديدة فأكرم الله نبيه ﷺ وذهب به فلم يُرِه في أمته إلا التي تقرّ به عينه وأبقى النقمة بعده، وليس من نبيّ إلا وقد أُرِي النقمة في أمته.
وروي : أن النبيّ ﷺ أرِي ما لقيت أمته من بعده، فما زال منقبضاً، ما انبسط ضاحكاً حتى لقي الله عز وجل.
وعن ابن مسعود : أن النبيّ ﷺ قال :" إذا أراد الله بأمة خيراً قبض نبيّها قبلها فجعله لها فَرَطاً وسَلَفاً.
وإذا أراد الله بأمة عذاباً عذّبها ونبيُّها حيٌّ لتَقَرَّ عينه لما كذَّبوه وعصَوْا أمره ".
قوله تعالى :﴿ فاستمسك بالذي أُوحِيَ إِلَيْكَ ﴾ يريد القرآن، وإن كذب به من كذب ؛ فَ ﴿ إِنَّكَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ يوصّلك إلى الله ورضاه وثوابِهِ.