يريد : لكانت، ولكنه حذف لأنه لا يتوهم في إن أن تكون نافية، لأن صدر البيت يدل على المدح، وتعين إن لكونها المخففة من الثقيلة.
﴿ والآخرة عند ربك للمتقين ﴾ : أي ونعيم الآخرة، وفيه تحريض على التقوى.
وقرأ : ومن يعش، بضم الشين، أي يتعام ويتجاهل عن ذكره، وهو يعرف الحق.
وقيل : يقل نظره في شرع الله، ويغمض جفونه عن النظر في :﴿ ذكر الرحمن ﴾.
والذكر هنا، يجوز أن يراد به القرآن، واحتمل أن يكون مصدراً أضيف إلى المفعول، أي يعش عن أن يذكر الرحمن.
وقال ابن عطية : أي فيما ذكر عباده، فالمصدر مضاف إلى الفاعل.
انتهى، كأنه يريد بالذكر : التذكير.
وقرأ يحيى بن سلام البصري : ومن يعش، بفتح الشين، أي يعم عن ذكر الرحمن، وهو القرآن، كقوله :﴿ صم بكم عمي ﴾ وقرأ زيد بن علي : يعشو بالواو.
وقال الزمخشري : على أن من موصولة غير مضمنة معنى الشرط، وحق هذا القارىء أن يرفع نقيض. انتهى.
ولا يتعين ما قاله، إذ تتخرج هذه القراءة على وجهين : أحدهما : أن تكون من شرطية، ويعشو مجزوم بحذف الحركة تقديراً.
وقد ذكر الأخفش أن ذلك لغة بعض العرب، ويحذفون حروف العلة للجازم.
والمشهور عند النحاة أن ذلك يكون في الشعر، لا في الكلام.
والوجه الثاني : أن تكون من موصولة والجزم بسببها للموصول باسم الشرط، وإذا كان ذلك مسموعاً في الذي، وهو لم يكن اسم شرط قط، فالأولى أن يكون فيما استعمل موصولاً وشرطاً.
قال الشاعر :
ولا تحفرن بئراً تريد أخاً بها...
فإنك فيها أنت من دونه تقع
كذاك الذي يبغي على الناس ظالماً...
تصبه على رغم عواقب ما صنع
أنشدهما ابن الأعرابي، وهو مذهب الكوفيين، وله وجه من القياس، وهو : أنه كما شبه الموصول باسم الشرط فدخلت الفاء في خبره، فكذلك يشبه به فينجزم الخبر، إلا أن دخول الفاء منقاس إذا كان الخبر مسبباً عن الصلة بشروطه المذكورة في علم النحو، وهذا لا ينفيه البصريون.