وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ ﴾ أي ذكرهم إذ قال.
﴿ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ ﴾ البراء يستعمل للواحد فما فوقه فلا يتثنّى ولا يجمع ولا يؤنث ؛ لأنه مصدر وضع موضع النعت ؛ لا يقال : البراءان والبراءون، لأن المعنى ذو البراء وذوو البراء.
قال الجوهري : وتبرّأت من كذا، وأنا منه بَراء، وخَلاء منه لا يثنّى ولا يجمع لأنه مصدر في الأصل ؛ مثل : سَمِع سَماعاً.
فإذا قلت : أنا بريء منه وخَلِيّ ثنّيتَ وجمعت وأنّثت، وقلت في الجمع : نحن منه بُرَآء مثل فقيه وفقهاء، وبِراء أيضاً مثل كريم وكِرام، وأبراء مثل شريف وأشراف، وأبرياء مثل نصيب وأنصباء، وبريئون.
وامرأة بريئة وهما بريئتان وهن بريئات وبرايا.
ورجل بريء وبُراء مثل عجيب وعجاب.
والبَراء ( بالفتح ) أول ليلة من الشهر، سميت بذلك لتبرؤ القمر من الشمس.
﴿ إِلاَّ الذي فَطَرَنِي ﴾ استثناء متصل، لأنهم عبدوا الله مع آلهتهم.
قال قتادة : كانوا يقولون الله ربنا ؛ مع عبادة الأوثان.
ويجوز أن يكون منقطعاً ؛ أي لكن الذي فطرني فهو يهدين.
قال ذلك ثقةً بالله وتنبيهاً لقومه إن الهداية من ربه.
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)
فيه ثلاث مسائل :
الأولى قوله تعالى :﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً ﴾ الضمير في "جَعَلَهَا" عائد على قوله :﴿ إِلاَّ الذي فَطَرَنِي ﴾.
وضمير الفاعل في "جَعَلَهَا" للّه عز وجل ؛ أي وجعل الله هذه الكلمة والمقالة باقية في عقبه، وهم ولده وولد ولده ؛ أي إنهم توارثوا البراءة عن عبادة غير الله، وأوصى بعضهم بعضاً في ذلك.
والعقب من يأتي بعده.
وقال السدي : هم آل محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن عباس : قوله :"فِي عَقِبِهِ" أي في خلفه.
وفي الكلام تقديم وتأخير ؛ المعنى فإنه سيهدين لعلهم يرجعون وجعلها كلمة باقية في عقبه.