والمدرك، ومن كان بهذه القدرة الباهرة كان منفرداً بالعظمة.
ولما كان الله سبحانه - وله المنّ - قد أنعم بعد الإيجاد بما أشار إليه من العقل والحواس المهيئ، للهداية من غير طلب، فكان جديراً بأن يمنح قاصده بأعظم هداية قال مسبباً عن قطعه العلائق من سواه، مؤكداً لأجل من ينكر وصوله إلى حد عمي عنه أسلافه ﴿فإنه سيهدين﴾ أي هداية هي الهداية إلى ما لاح لي من الحقائق من كل ما يصلحني لتوجهي إليه وتوكلي عليه، لا مرية عندي في هذا الاعتقاد، وقد أفاد بهذه المقترنة بالسين هدايته في الاستقبال بعد أن أفاد بقوله المحكي في الشعراء ﴿فهو يهدين﴾ الهداية في الحال وكأنه خص هذا بالسين لأجل ما عقبها به من عقبه، فجعل هدايتهم هدايته ﴿وجعلها﴾ أي جعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام هذه الكلمة التي هي التوحيد بدليله ﴿كلمة باقية في عقبه﴾ أي ذريته دعا وهو مجاب الدعوة في قوله :﴿وأجنبني وبني أن نعبد الأصنام﴾ وفي قوله ﴿ومن ذريتي ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم﴾ :﴿لعلهم يرجعون﴾ أي ليكون حالهم حال من ينظر إليهم إن حصل منهم مخالفة واعوجاج حال من يرجى رجوعه، فإنهم إذا ذكروا أن أباهم الأعظم الذي بنى لهم البيت وأورثهم الفخر قال ذلك تابعوه، ويجوز أن يتعلق بما يتعلق به " إذ " أي اذكر لهم قول أبيهم ليكون حالهم عند من يجهل العواقب حال من يرجى رجوعه عن تقليد الجهلة من الآباء إلى اتباع هذا الأب الذي اتباعه لا يعد تقليداً لما على قوله من الأدلة التي تفوت الحصر فتضمن لمتبعها حتماً تمام النصر، وفي سوقه المترجي إشارة إلى أنهم يكونون صنفين : صنفاً يرجع وآخر لا يرجع.