ولما كان إنزال القرآن نجوماً على حسب التدريج، عبروا بما يوافق ذلك فقالوا :﴿نزل﴾ أي من المنزل الذي ذكره محمد ـ ﷺ ـ وعينوا مرادهم ونفوا اللبس فقالوا بقسر وغلظة كلمة على من يطلبهم لإصلاح حالهم ﴿هذا القرآن﴾ أي الذي جاء به محمد ـ ﷺ ـ وادعى أنه جامع لكل خير، ففيه إشارة إلى التحقير ﴿على رجل من القريتين﴾ أي مكة والطائف، ولم يقل : إحدى - اغتناء عنها بوحدة رجل ﴿عظيم﴾ أي بما به عندهم من العظمة والجاه والمال والسن ونحو ذلك وهم عالمون أن شأن الملك إنما هو إرسال من يرتضونه لا من يقترحه الرعية، ويعلمون أن للملك المرسل له ـ ﷺ ـ الغني المطلق لكنهم جهلوا - مع أنه هو الذي أفاض المال والجاه - أنه ندب إلى الزهد فيهما والتخلي عنهما، وأنه لا يقرب إليه إلا إخلاص الإقبال عليه الناشئ عن طهارة الروح وذكاء الأخلاق وكمال الشمائل والتحلي بسائر الفضائل والتخلي عن جميع الرذائل، فقد جعلوا لإفراطهم في الجهل الحالة البهيمية شرطاً للوصول إلى الحالة الملكية المضادة لها بكل اعتبار.