قوله تعالى :﴿ إِنَّني بَراءٌ ﴾ قال الزجاج : البَراء بمعنى البَريء، والعرب تقول للواحد : أنا البَراء منك، وكذلك للإثنين والجماعة، وللذكر والأنثى، يقولون : نحن البَراء منك والخلاء منك، لا يقولون : نحن البَراءان منك، ولا البَراءون منك، وإِنما المعنى : أنا ذو البَراء منك، ونحن ذو الَبراء منك، كما يقال : رجل عَدْل، وامرأة عَدْل.
وقد بيَّنَّا استثناء إبراهيم ربَّه عز وجل مما يعبدون عند قوله :﴿ إلاّ ربِّ العالَمِين ﴾ [ الشعراء : ٧٧ ].
قوله تعالى :﴿ وجَعَلَها ﴾ يعني كلمة التوحيد، وهي " لا إله إلا الله " ﴿ كَلِمةً باقيةً في عَقِبِه ﴾ أي : فيمن يأتي بعده من ولده، فلا يزال فيهم موحِّد ﴿ لعلَّهم يَرْجِعونَ ﴾ إَلى التوحيد كلُّهم إِذا سمعوا أن أباهم تبرَّأ من الأصنام ووحَّد اللهَ عز وجل.
ثم ذكر نعمته على قريش فقال :﴿ بل متَّعتُ هؤلاء وآباءهم ﴾ والمعنى : إِنِّي أجزلتُ لهم النِّعَم ولم أُعاجلهم بالعقوبة ﴿ حتى جاءهم الحق ﴾ وهو القرآن ﴿ ورسولٌ مُبِينٌ ﴾ وهو محمد ﷺ، فكان ينبغي لهم أن يقابِلوا النِّعَم بالطاعة للرسول، فخالفوا.
﴿ ولمّا جاءهم ﴾ يعني قريشاً في قول الأكثرين.
وقال قتادة : هم اليهود و ﴿ الحقُّ ﴾ القرآن.
قوله تعالى :﴿ وقالوا لولا ﴾ أي : هلاّ ﴿ نُزِلَ هذا القرآنُ على رجل من القريتين عظيمٍ ﴾ أمّا القريتان، فمكَّة والطائف، قاله ابن عباس، والجماعة ؛ وأمّا عظيم مكَّة، ففيه قولان :
أحدهما : الوليد بن المغيرة القرشي، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، [ وبه قال قتادة، والسدي ].
والثاني : عُتبة بن ربيعة، قاله مجاهد.
وفي عظيم الطائف خمسة أقوال.
أحدها : حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني : مسعود بن عمرو بن عبيد الله، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث : أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، رواه ليث عن مجاهد وبه قال قتادة.


الصفحة التالية
Icon