ومثلُه : تعامَيْتُ والعرب تقول :" عَشَوْتُ إِلى النار " : إِذا استدللتَ إِليها ببصر ضعيف، قال الحطيئة :
متَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلى ضَوْءِ نَارِهِ...
تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
ومنه حديث ابن المسّيب :" أن إحدى عينَيْه ذهبتْ، وهو يَعْشُو بالأًخرى "، أي : يُبْصِر بها بصراً ضعيفاً.
قال المفسرون :" ومَنْ يَعْشُ عن ذِكْر الرحمن " فلم يَخَف عِقابه ولم يلتفت إِلى كلامه " نقيِّضْ له " أي : نسبب له " شيطاناً " فنجعل ذلك جزاءَه " فهو له قرين " لا يفارقه.
﴿ وإِنهم ﴾ يعني الشياطين ﴿ لَيَصُدُّونهم ﴾ يعني الكافرين، أي : يمنعونهم عن سبيل الهدى ؛ وإِنما جمع، لأن ﴿ مَنْ ﴾ في موضع جمع، ﴿ وَيحْسَبون ﴾ يعني كفار بني آدم ( أنهم ) على هدىً.
﴿ حتَّى إذا جاءنا ﴾ وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم :﴿ جاءنا ﴾ واحد، يعني الكافر.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم :﴿ جاءانا ﴾ بألفين على التثنية يعنون الكافر وشيطانه.
وجاء في التفسير : أنهما يُجعلان يومَ البعث في سلسلة، فلا يفترقان حتى يًصَيِّرَهما الله إِلى النار، ﴿ قال ﴾ الكافر للشيطان :﴿ يا ليت بيني وبينَك بُعدَ المَشْرِقَيْنِ ﴾ أي : بُعْدَ ما بين المَشْرِقَيْن ؛ وفيهما قولان :
أحدهما : أنهما مَشْرِقُ الشمس في أقصر يوم في السنة، ومَشْرِقُها في أطول يوم، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والثاني : أنه أراد المَشْرِق والمَغْرِب، فغلَّب ذِكْر المَشْرِق، كما قالوا سُنَّة العُمَرَيْن، يريدون : أبا بكر وعمر، وأنشدوا من ذلك :
أَخَذْنا بِآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ...
لَنا قَمراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ
يريد : الشمس والقمر ؛ وأنشدوا :
فَبَصْرَةُ الأزّدِ مِنَّا والعِراقُ لَنا...
والمَوْصِلانِ ومِنَّا مِصْرُ والحَرَمُ
يريد : الجزيرة والموصل، [ وهذا اختيار الفراء، والزجاج ].