وما بعد هذا ظاهر إلى قوله :﴿ إذ هُمْ منها يَضحكون ﴾ استهزاءً بها وتكذيباً.
﴿ وما نُريهم مِنْ آيةٍ إِلاّ هي أكبرُ مِنْ أُختها ﴾ يعني ما ترادف عليهم من الطُّوفان والجراد والقُمَّل والضَّفادع والدَّم والطَّمْس، فكانت كُلُّ آية أكبرَ من التي قَبْلَها، وهي العذاب المذكور في قوله :﴿ وأَخَذْناهم بالعذاب ﴾، فكانت عذاباً لهم، ومعجزات لموسى عليه السلام.
قوله تعالى :﴿ وقالوا يا أيُّها السّاحر ﴾ في خطابهم له بهذا ثلاثة أقوال :
أحدها : أنهم أرادوا : يا أيها العالِم، وكان الساحر فيهم عظيماً، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني : أنهم قالوه على جهة الاستهزاء، قاله الحسن.
والثالث : أنهم خاطبوه بما تقدَّم له عندهم من التَّسمية بالسّاحر، قاله الزجّاج.
قوله تعالى :﴿ إنَّنا لَمُهتدون ﴾ أي : مؤمنون بك.
فدعا موسى فكُشف عنهم، فلم يؤمِنوا.
وقد ذكرنا ما تركناه هاهنا في [ الأعراف : ١٣٥ ].
قوله تعالى :﴿ تَجْرِي مِنْ تَحتي ﴾ أي : من تحت قصوري ﴿ أفلا تُبْصِرونَ ﴾ عظَمتي وشِدَّةَ مُلكي.
؟! ﴿ أَمْ أنا خَيْرٌ ﴾ قال أبو عبيدة : أراد : بل أنا خَيْرٌ.
وحكى الزجاج عن سيبويه والخليل أنهما قالا : عطف ﴿ أنا ﴾ ب ﴿ أمْ ﴾ على ﴿ أفلا تُبْصِرون ﴾ [ فكأنه قال : أفلا تُبْصِرون ] أم أنتم بُصَراء؟!.
لأنهم إِذا قالوا : أنتَ خيرٌ منه، فقد صاروا عنده بُصَراءَ.
قال الزجاج : والمَهينِ القليل ؛ يقال : شيء مَهِين، أي : قليل.
وقال مقاتل :" مَهِين " بمعنى ذليل ضعيف.
قوله تعالى :﴿ ولا يكاد يُبين ﴾ أشار إِلى عُقدة لسانه التي كانت به ثم أذهبها الله عنه، فكأنه عيَّره بشيءٍ قد كان وزال، ويدل على زواله قوله تعالى :﴿ قد أُوتيتَ سؤلكَ يا موسى ﴾ [ طه : ٣٦ ]، وكان في سؤاله :
﴿ واحْلُلْ عُقْدَةً من لساني ﴾ [ طه : ٢٧ ].
وقال بعض العلماء : ولا يكاد يُبِين الحُجَّة ولا يأتي ببيان يُفْهم.