لمهتدون} أي اهتداء ثابتاً يصير لنا وصفاً لازماً عند كشف ذلك عنا.
ولما كان العاقل لا يخبر عن نفسه إلا بما هو صحيح، فكيف إذا كان عظيماً بين قومه فكيف إذا أكد ذلك بأنواع من التأكيد، فكان السامع لهذا الكلام يقطع بصدقه، بين تعالى ما يصحح أن حالهم حال من يعتقد أنه ساحر بأنهم أسرعوا الخيانة بالكذب فيه من غير استحياء ولا خوف، فقال معبراً بالفاء دلالة على ذلك :﴿فلما كشفنا﴾ على ما لنا من العظمة التي ترهب الجبال ﴿عنهم العذاب﴾ أي الذي أنزلناه بهم ﴿إذا هم ينكثون﴾ أي فاجؤوا الكشف بتجديد النكث بإخلاف بعد إخلاف ﴿ونادى فرعون﴾ أي زيادة على نكثه ﴿في قومه﴾ أي الذين لهم غاية القيام معه، وأمر كلاً منهم أن يشيع قوله إشاعة تعم البعيد كما تشمل القريب فتكون كأنها مناداة إعلاماً بأنه مستمر على الكفر لئلا يظن بعضهم أنه رجع.
ولما كان كأنه قيل : لم نادى؟ أجاب بقوله :﴿قال﴾ أي خوفاً من إيمان القبط لما رأى من أن ما شاهدوا من باهر الآيات مثله يزلزل ويأخذ بالقلوب :﴿يا قوم﴾ مستعطفاً لهم بإعلامهم بأنهم لحمة واحدة، ومستنهضاً بوصفهم بأنهم ذوو قوة على ما يحاولونه، مقرراً لهم على عذره في نكثه بقوله :﴿أليس لي﴾ أي وحدي ﴿ملك مصر﴾ أي كله، فلا اعتراض على بني إسرائيل ولا غيرهم، لينتج له ذلك على زعمه أن غلبته على بني إسرائيل ومقاهرته على إخراجهم من تحت يده بغى على من له الملك فتكون فساداً فلا بأس عليه إذا خدع من فعل به ذلك بما عاهده عليه عند مس الضر، ولم يقرأ بالصرف ليكون نصاً على مراده من العلمية، ولأن المصر يطلق على المدينة الواحدة، والتنوين يأتي للتحقير وهو ضد مراده.


الصفحة التالية
Icon