فصل


قال الفخر :
﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه تعالى ذكر أنواعاً كثيرة من كفرياتهم في هذه السورة وأجاب عنها بالوجوه الكثيرة فأولها : قوله تعالى :﴿وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا﴾ [ الزخرف : ١٥ ] وثانيها : قوله تعالى :﴿وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا﴾ [ الزخرف : ١٩ ] وثالثها : قوله ﴿وَقَالُواْ لَوْ شَاء الرحمن مَا عبدناهم﴾ [ الزخرف : ٢٠ ] ورابعها : قوله ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ [ الزخرف : ٣١ ] وخامسها : هذه الآية التي نحن الآن في تفسيرها، ولفظ الآية لا يدل إلا على أنه لما ضرب ابن مريم مثلاً أخذ القوم يضجون ويرفعون أصواتهم، فأما أن ذلك المثل كيف كان، وفي أي شيء كان فاللفظ لا يدل عليه والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً كلها محتملة فالأول : أن الكفار لما سمعوا أن النصارى يعبدون عيسى قالوا إذا عبدوا عيسى فآلهتنا خير من عيسى، وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يعبدون الملائكة الثاني : روي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] قال عبد الله بن الزبعري هذا خاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم ؟ فقال ﷺ :" بل لجميع الأمم " فقال خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي وتثني عليه خيراً وعلى أمه، وقد علمت أن النصارى يعبدونهما واليهود يعبدون عزيراً والملائكة يعبدون، فإذا كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم (١) فسكت النبي ﷺ وفرح القوم وضحكوا وضجوا، فأنزل الله تعالى :﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ] ونزلت هذه الآية أيضاً والمعنى، ولما ضرب عبد الله بن الزبعري عيسى ابن مريم مثلاً وجادل رسول الله بعبادة النصارى إياه إذا قومك قريش منه أي من هذا المثل يصدون أي يرتفع لهم ضجيج وجلبة
(١) الرواية المشهورة : أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم رد عليه عند ذلك بقوله لابن الزبعرى «ما أجهلك بلغة قومك ما لما لا يعقل»،
وحينئذ فلا تقع على الذين اتخذهم الكفار آلهة من الأنبياء والملائكة والصالحين وإنما عنى من الأصنام التي عبدوها.


الصفحة التالية
Icon