ولما كان سبحانه مطلعاً بطية أمرهم وغائب سرهم، سبب عما سأل عنه من إبرامهم ما دل على أنه عالم به وقد أبرم له قبل كونه ما يزيله ويعدمه ويحيله، على سبيل التأكيد لإنكارهم أن يغلبوا فقال :﴿فإنا مبرمون﴾ أي دائماً للأمور لعلمنا بها قبل كونها وقدرتنا واختيارنا، تلك صفتنا التي لا تحول بوجه : العلم والقدرة والإرادة، لم يتجدد لنا شيء لم يكن.
ولما كان إصرارهم بين العزم على مجاهرة القدير بالمعاداة وبين معاملته وهو عليم بالمساترة والمماكرة في المعاداة والمباكرة والمسالمة والمناكرة قال تعالى :﴿أم يحسبون أنا﴾ على ما لنا من العظمة المقتضية بجميع صفات الكمال ﴿لا نسمع﴾ ولما كان المراد إثبات أن علمه تعالى محيط بالخفي والجلي، نسبة كل منهما إليه على السواء، ذكرهما وقدم من شأنه أن يخفي وهو المكر المشار إليه بالإبرام، لأن السياق له فقال تعالى :﴿سرهم﴾ أي كلامهم الخفي ولو كان في الضمائر فيما يعصينا، ولما كان ربما وقع في الأوهام أن المراد بالسمع إنما هو العلم لأن السر ما يخفى وهو يعم ما في الضمائر وهي مما يعلم، حقق أن المراد به حقيقته بقوله :﴿ونجواهم﴾ أي كلامهم المرتفع حتى كأنه على نجوة أي مكان عال، فعلم أن المراد حقيقة السمع، وأنه تعالى يسمع كل ما يمكن أن يسمع ولو لم يكن في قدرتنا نحن سماعه، فنكون فيه كالأصم بالنسبة إلى ما نسمعه نحن من الجهر ولا يسمعه هو لفقد قوة السمع فيه، لا لأنه مما من حقه ألا يسمع.
ولما كان إنكار عدم السماع معناه السماع، صرح به فقال :﴿بلى﴾ أي نسمع الصنفين كليهما على حد سواء ﴿ورسلنا﴾ وهم الحفظة من الملائكة على ما لهم من العظمة بنسبتهم إلينا.


الصفحة التالية
Icon