وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ المجرمين فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾
لما ذكر أحوال أهل الجنة ذكر أحوال أهل النار أيضاً ليبيّن فضل المطيع على العاصي.
﴿ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ﴾ أي لا يخفف عنهم ذلك العذاب.
﴿ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ أي آيسون من الرحمة.
وقيل : ساكتون سكوت يأس ؛ وقد مضى في "الأنعام".
﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ﴾ بالعذاب ﴿ ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين ﴾ أنفسهم بالشرك.
ويجوز "وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمُونَ" بالرفع على الابتداء والخبر، والجملة خبر كان.
قوله تعالى :﴿ وَنَادَوْاْ يا مالك ﴾ وهو خازن جهنم، خلقه لغضبه ؛ إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضاً.
وقرأ عليّ وابن مسعود رضي الله عنهما "وَنَادَوْا يَا مَالِ" وذلك خلاف المصحف.
وقال أبو الدرداء وابن مسعود : قرأ النبيّ ﷺ :"وَنَادَوْا يَا مَالِ" باللام خاصة ؛ يعني رخم الاسم وحذف الكاف.
والترخيم الحذف، ومنه ترخيم الاسم في النداء، وهو أن يحذف من آخره حرف أو أكثر، فتقول في مالك : يا مال، وفي حارث : يا حار، وفي فاطمة : يا فاطم، وفي عائشة يا عائش، وفي مروان : يا مرو، وهكذا.
قال :
يا حار لا أُرْمَيَنْ منكم بداهية...
لم يَلْقَها سُوقَةٌ قَبْلِي ولا مَلِكُ
وقال امرؤ القيس :
أحار ترى بَرْقاً أُرِيك وَمِيضه...
كلمع اليدين في حَبِيٍّ مُكلّلِ
وقال أيضاً :
أفاطِم مَهْلا بعضَ هذا التدلُّلِ...
وإن كنت قد أزمعتِ صُرْمِي فأجْمِل
وقال آخر :
يا مَرْو إن مَطِيّتي محبوسةٌ...
ترجو الحِباء ورَبُّها لم ييأس
وفي صحيح الحديث " أي فل، هَلُمَّ " ولك في آخر الاسم المرخّم وجهان : أحدهما أن تبقيه على ما كان عليه قبل الحذف.
والآخر أن تبنيه على الضم ؛ مثل : يا زيد ؛ كأنك أنزلته منزلته ولم تراع المحذوف.