ولما كان المعنى : فأنا ما عبدت ذلك الولد ولا أعبده، ولو شاء الرحمن ما تركت عبادته، ولكنه شاء تركي لها وشاء فعلكم لها، فإحداهما قطعاً مشيئة للباطل، وإلا لاجتمع النقيضان بأن يكون الشيء حقاً باطلاً في حال واحد من وجه واحد، وهو بديهي الاستحالة، فبطلت شبهتكم بدليل قطعي - هكذا كان الأصل، ولكنه عدل عنه إلى ما يفيد معناه وزيادة أنه يعبد الله مخلصاً ولا يعبد غيره، أنه لا يستحق اسم العبادة إلا ما كان له خالصاً، فقال :﴿فأنا﴾ أي في الرتبة ﴿أول العابدين﴾ للرحمن، العبادةَ التي هي العبادة ولا يستحق غيرها أن يسمى عبادة وهي الخالصة، أي فأنا لا أعبد غيره لا ولداً ولا غيره، ولم يشأ الرحمن لي أن أعبد الولد، أو يكون المعنى : أنا أول العابدين للرحمن على وجه الإخلاص، لم أشرك به شيئاً أصلاً في وقت من الأوقات مما سميتموه ولداً أو شريكاً أو غيره، ولو شاء ما عبدته على وجه الإخلاص، ولا شك عندكم وعند غيركم أن من أخلص لأحد كان أولى من غيره برحمة، فلو أن الإخلاص له ممنوع ما شاء لي، ولولا أن عبادة غيره ممنوعة لشاءها لي، ولو أن له ولداً لشاء لي عبادته، فإن عموم رحمته لكافة خلقه لكونهم خلقه وخصوصها بي لكوني عبده خالصاً له يمنع على زعمكم من أن يشقيني وأنا أخلص له، فبطلت شبهتكم بمثلها بل أقوى منها، وهذا مما علق بشيء هو بنقيضه أولى، وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن " أن " نافية بمعنى : ما ينبغي أي ما كان له ولد، فإني أول من عبده رتبة وما علمت له ولداً، ولو كان له ولد لعلمته فعبدته تقرباً إليه بعبادة ولده.