ومما يقرب من هذا الباب قوله ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ] فهذا الكلام قضية شرطية والشرط هو قولنا ﴿فِيهِمَا آلِهَةٌ﴾ والجزاء هو قولنا ﴿فسدتا﴾ فالشرط في نفسه باطل والجزاء أيضاً باطل لأن الحق أنه ليس فيهما آلهة، وكلمة لو تفيد الشيء بانتفاء غيره لأنهما ما فسدتا ثم مع كون الشرط باطلاً وكون الجزاء باطلاً كان استلزام ذلك الشرط لهذا الجزاء حقاً فكذا ههنا، فإن قالوا الفرق أن ههنا ذكر الله تعالى هذه الشرطية بصيغة لو فقال :﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ﴾ وكلمة لو تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، وأما في الآية التي نحن في تفسيرها إنما ذكر الله تعالى كلمة إن وهذه الكلمة لا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، بل هذه الكلمة تفيد الشك في أنه هل حصل الشرط أم لا، وحصول هذا الشك للرسول غير ممكن، قلنا الفرق الذي ذكرتم صحيح إلا أن مقصودنا بيان أنه لا يلزم من كون الشرطية صادقة كون جزءيها صادقتين أو كاذبتين على ما قررناه أما قوله إن لفظة إن تفيد حصول الشرط هل حصل أم لا، قلنا هذا ممنوع فإن حرف إن حرف الشرط وحرف الشرط لا يفيد إلا كون الشرط مستلزماً للجزار، وأما بيان أن ذلك الشرط معلوم الوقوع أو مشكوك الوقوع، فاللفظ لا دلالة فيه عليه ألبتة، فظهر من المباحث التي لخصناها أن الكلام ههنا ممكن الإجراء على ظاهره من جميع الوجوه وأنه لا حاجة فيه ألبتة إلى التأويل، والمعنى أنه تعالى قال :﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين﴾ لذلك الولد وأنا أول الخادمين له، والمقصود من هذا الكلام بيان أنى لا أنكر ولده لأجل العناد والمنازعة فإن بتقدير أن يقوم الدليل على ثبوت هذا الولد كنت مقراً به معترفاً بوجوب خدمته إلا أنه لم يوجد هذا الولد ولم يقم الدليل على ثبوته ألبتة، فكيف أقول به ؟ بل الدليل القاطع قائم على عدمه فكيف أقول به وكيف أعترف


الصفحة التالية
Icon