وقال الآلوسى :
﴿ قُلْ ﴾ أي للكفرة تحقيقاً للحق وتنبيهاً لهم على أن مخالفتك لهم بعدم عبادتك ما يعبدون من الملائكة عليهم السلام ليس لبغضك وعداوتك لهم أو لمعبوديهم بل إنما هو لجزمك باستحالة ما نسبوا إليهم وبنوا عليه عبادتهم من كونهم بنات الله سبحانه وتعالى ﴿ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ أي لذلك الولد وكان بمعنى صح كما يقال ما كان لك أن تفعل كذا وهو أحد استعمالاتها، و﴿ أَوَّلُ ﴾ أفعل تفضيل والمفضل عليه المقول لهم، وجوز اعتبار ذلك مطلقاً، والمراد إظهار الرغبة والمسارعة، والمنساق إلى الذهن الأول.
ووجه الملازمة أنه عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بشؤنه تعالى وبما يجوز عليه وبما لا يجوز وأحرصهم على مراعاة حقوقه وما توجبه من تعظيم ولده سبحانه فإن حق الوالد على شخص يوجب عليه تعظيم ولده لما أن تعظيم الولد تعظيم الوالد، فالمعنى إن كان للرحمن ولد وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فإنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لعظم أبيه، وهذا نفي لكينونة ولد له سبحانه على أبلغ وجه وهو الطريق البرهاني والمذهب الكلامي، فإنه في الحقيقة قياس استثنائي استدل فيه بنفي اللازم البين انتفاؤه وهو عبادته ﷺ للولد على نفي الملزوم وهو كينونة الولد له سبحانه، وذلك نظير قوله تعالى :
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا ﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ] لكنه جيء بأن دون لو لجعل ما في حيزها بمنزلة ما لا قطع بعدمه على طريق المساهلة وإرخاء العنان للتبكيت والإفحام.