فإنه على القول بأن الآية الكريمة جملة شرط وجزاء لا يصح الربط بين طرفيها ألبتة أيضاً، إلا على وجه محذور لا يجوز المصير إليه بحال، لأن كون المعبود ذا ولد، واستحقاقه هو، أو ولده العبادة، لا يصح الربط بينهما ألبتة إلا على معنى هو كفر بالله، لأن المستحق للعبادة لا يعقل بحال أن يكون ولداً أو والداً.
وبه تعلم أن الشرط المزعوم في قوله ﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين ﴾ إنما يعلق به محال لاستحالة كون الرحمن ذا ولد.
ومعلوم أن المحال لا يعلق عليه إلا المحال.
فتعليق عبادة الله التي هي أصل الدين على كونه ذا ولد ظهور فساده كما ترى، وإنما تصدق الشرطية في مثال هذا لو كان المعلق عليه مستحيلاً، فادعاء أن ( إن ) في الآية شرطية مثل ما لو قيل : لو كان معه آلهة لكنت أول العابدين له، وهذا لا يصدق بحال، لأن واحداً من آلهة متعددة، لا يمكن أن يعبد، فالربط بين طرفيها مثل هذه القضية لا يصح بحال.
ويتضح لك ذلك بمعنى قوله :﴿ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ ﴾ [ المؤمنون : ٩١ ] الآية.
فإن قوله إذاً : أي لو كان معه غيره من الآلهة، لذهب كل واحد منهم بما خلق واستقل به، وغالب بعضهم بعضاً ولم ينتظم للسماوات والأرض نظام ولفسد كل شيء.
كما قال تعالى :﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا ﴾ [ الأنبياء : ٢٢ ]، وقوله تعالى :﴿ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٤٢ ] على الصحيح الذي هو الحق من التفسيرين.
ومعنى ابتغائهم إليه تعالى سبيلاً هو طلبهم طريقاً إلى مغالبته كما يفعله بعض الملوك مع بعضهم.


الصفحة التالية
Icon