أي ولو نشاء لجعلنا بدلكم ملائكة يكونون مكانكم بعد إذهابكم، وإليه يشير كلام قتادة ومجاهد، والمراد بيان كمال قدرته تعالى لا التوعد بالاستئصال وإن تضمنه فإنه غير ملائم للمقام، وقيل : لا مانع من قصدهما معاً نعم كثير من النحويين لا يثبتون لمن معنى البدلية ويتأولون ما ورد مما يوهم ذلك والأظهر ما قرر أولاً.
وذكر العلامة الطيبي عليه الرحمة أن قوله تعالى :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ ﴾ [ الزخرف : ٥٩ ] الخ جواب عن جدل الكفرة في قوله سبحانه :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] الخ وإن تقريره إن جدلكم هذا باطل لأنه عليه السلام ما دخل في ذلك النص الصريح لأن الكلام معكم أيها المشركون وأنتم المخاطبون به وإنما المراد بما تعبدون الأصنام التي تنحتونها بأيديكم وأما عيسى عليه السلام فما هو إلا عبد مكرم منعم عليه بالنبوة مرفوع المنزلة والذكر مشهور في بني إسرائيل كالمثل السائر فمن أين تدخل في قولنا :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ] ثم لا اعتراض علينا أن نجعل قوماً أهلاً للنار وآخرين أهلاً للجنة إذ لو نشاء لجعلنا منكم ومن أنفسكم أيها الكفرة ملائكة أي عبيداً مكرمون مهتدون وإلى الجنة صائرون كقوله تعالى :﴿ وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾ [ السجدة : ١٣ ] اه.
وعلى ما ذكرنا أن الكلام في ابطال قد تم عند قوله تعالى :﴿ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٨ ] وما بعد لما سمعت قبل وهو أدق وأولى مما ذكره بل ما أشار إليه من أن قوله تعالى :﴿ وَلَوْ نَشَاء ﴾ الخ لنفي الاعتراض ليس بشيء.